للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾ (١)، أو مقدر كقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾؛ أي: منهم (٢).

والثالث: بدل الاشتمال؛ وهو: بدل شيء يشتمل عامله على معناه اشتمالًا بطريق الإجمال (٣)؛ كأعجبني زيد علمه، أو حسنه، وسرق زيد ثوبه، أو فرسه (٤). وأمره في الضمير كأمر بدل البعض؛ فمثال المذكور ما تقدم من الأمثلة؛ وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ (٥).

(١) ﴿كَثِيرٌ﴾، بدل من الواو الأولى في ﴿عَمُوا﴾، والثانية في ﴿صَمُّوا﴾، عائدة على ﴿كَثِيرٌ﴾؛ لأنه مقدم رتبة؛ إذ التقدير -والله أعلم- ثم عموا كثير منهم وصموا. والذي يحمل على ذلك أنه لو جعل بدلًا من الواوين معًا، لزم توارد عاملين على معمول واحد.

(٢) ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ﴾، بدل من ﴿النَّاسِ﴾، والضمير العائد على المبدل منه مقدر، كما بين المصنف، وفيه أعاريب أخرى.

(٣) لتوضيح هذا التعريف نقول: إن بدل الاشتمال تابع يقصد به تعيين وتوضيح أمر في متبوعه، وهذا الأمر من الأمور العارضة الطارئة، التي ليست جزءًا أصيلًا من المتبوع، ويشتمل على هذا الأمر، ويدل عليه "العامل" في المبدل منه؛ ولكن بطريقة إجمالية؛ لأنه لا يليق نسبته إلى ذات المبدل منه.

ويرى ابن مالك أن المشتمل هو المبدل منه، وذهب الفارسي إلى أنه البدل. وما رآه المصنف من أن المشتمل هو "العامل" جدير بالاتباع. وهذا الاشتمال: قد يكون في أمر مكتسب؛ كالعلم، والكرم، والزهد، أو غيره مكتسب؛ ولكنه ملازم لصاحبه: كالحسن، أو غير ملازم؛ كالكلام. وقد يكون الاشتمال بطريق التبعية كالثوب، والفرس … إلخ.

(٤) فالعلم والحسن بدل اشتمال، وكلاهما يعين أمرًا عرضيًا في المتبوع؛ لأنه لا يدخل في تكوين الذات، ويشملهما الإعجاب إجمالًا، ولكن لا يناسب نسبته إلى ذات "زيد" التي هي عظم ولحم ودم؛ فيفهم أن المقصود نسبة الإعجاب إلى صفة من صفاته. وكذلك الثوب والفرس بدل اشتمال، ويقال فيهما ما ذكرنا؛ فالمقصود نسبة السرقة إلى شيء يتعلق بالمتبوع؛ فقد دل "العامل" على البدل بطريقة مجملة.

(٥) فـ ﴿قِتَالِ﴾، بدل اشتمال من ﴿الشَّهْرَ﴾، والرابط بينهما الهاء المجرورة بفي، وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>