للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحق أن "متى" ظرف لتجمعنا، لا لتقول (١). وكونه بعد استفهام (٢) بحرف أو باسم؛ سمع الكسائي: "أتقول للعميان عقلًا؟ " (٣) وقال:

علام تقول الرمح يثقل عاتقي (٤)

= المعنى: إن فراق الأحبة، ورحيلهم عنا سيكون اليوم أو غدا؛ فمتى تظن الدار تجمع شملنا بعد هذا الفراق؟.

الشاهد: عمل "تقول" بمعنى "تظن"؛ ونصبها مفعولين، مع أنها ليست للزمان الحاضر، بل هي للمستقبل؛ لأنه لم يستفهم عن ظنه في الحال، أن الدار تجمعه مع أحبابه، بل الاستفهام عن وقوع ظنه. وهذا يقتضي ألا يكون واقعا في الحال، وإلا لم يستفهم عن وقته. والحق اشتراط كون "تقول" بمعنى تظن، للزمان الحاضر؛ كما ذهب إليه ابن مالك.

(١) أي: فيكون استفهاما عن وقت الجمع بينه، وبين الأحبة في المستقبل، وهذا لا ينافي وقوع القول حالا.

(٢) سواء أكان المستفهم عنه الفعل، أم بعض معمولاته، كما في البيت الآتي: علام تقول الرمح … إلخ؛ فإن الاستفهام عن سبب القول، لا عنه.

(٣) قول لبعض العرب. "للعميان" مفعول ثان مقدم لتقول. "عقلا" مفعول أول، وقد عملت "تقول" بعد حرف الاستفهام.

(٤) صدر بيت من الطويل، لعمرو بن معد يكرب الزبيدي. وعجزه:

إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت

اللغة والإعراب:

تقول: تظن. عاتقي: كاهلي؛ وهو ما بين المنكب والعنق. أطعن: أضرب؛ من طعن بالرمح يطعن؛ من باب منع أو نصر. أما طعن فلان على فلان في نسبه مثلا؛ فمن باب فتح. "علام" على: حرف جر، و"ما" اسم استفهام مجرور بعلى، حذفت ألفها، كما تحذف مع أي جار؛ كقوله -تعالى: ﴿فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا﴾، ﴿فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾، ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾ للفرق بينها وبين الموصولية. "الرمح" مفعول أول لتقول. "يثقل عاتقي" الجملة في موضع المفعول له. "إذا" الأولى ظرف ليثقل، والثانية لقوله "لم أطعن" وهما داخلان على فعل محذوف، يفسره المذكور.

المعنى: على أي شيء، وبأي حجة تظن الرمح يثقل كاهلي، وأحمل السلاح، إذا أنا لم أطعن برمحي، ولم أقاتل بسيفي الأعداء عند كر الخيل، واحتدام القتال؟ يريد أنه إنما يتكلف مئونة حمل السلاح؛ ليقاتل أعداءه، وينال من خصومه.

الشاهد: استعمال "تقول" بمعنى "تظن"، ونصبه مفعولين بعد الاستفهام بالاسم.

<<  <  ج: ص:  >  >>