أولت بنكرة، قالوا: جاء وحده (١)، أي منفردًا، ورجع عوده على بدئه (٢)، أي عائدًا، وادخلوا الأول فالأول (٣)، أي مترتبين، وجاءوا الجماء الغفير (٤)، أي جميعًا، وأرسلها العراك، أي معتركه (٥).
(١) " وحده" حال من فاعل جاء المستتر، وهي معرفة بسبب إضافتها إلى الضمير الواقع مفعولا؛ لأنها مصدر "وحد"، وجامدة مؤولة بمشتق من معناها، كما ذكر المصنف.
(٢) "عوده" حال من الفاعل المستتر في رجع، وهو معرفة بإضافته إلى الضمير، ومؤول بالمشتق، ومعناه: رجع عائدا في الحال، أو رجع على الطريق نفسه، ويروى برفع "عوده" على أنه مبتدأ والجار والمجرور بعده خبر، والجملة حال من الضمير في جاء ويقال هذا: لإنسان عهد منه عدم الاستقرار على ما ينقل إليه، بل يرجع إلى ما كان عليه.
(٣) "الأول" حال من الواو في "ادخلوا"، و"الأول" الثاني معطوف بالفاء على سابقه، وهما معرفتان بأل.
(٤) "الجماء" حال من الواو في جاءوا، والجماء: مؤنث الأجم بمعنى الكثير وأنت باعتبار الموصوف المحذوف، أي الجماعة الجماء، والغفير: من الغفر وهو الستر، أي الذي يستر ويغطي وجه الأرض لكثرته، وهو صفة للجماء، ولم يطابق، وإن كان بمعنى فاعل حملا على فعيل بمعنى مفعول، أو باعتبار معنى الجمع.
(٥) ومعناها: مزدحمة، ولو قال: أي معاركة، لكان أحسن؛ لأن اسم الفاعل من العراك معارك، لا معترك، والعراك حال من الهاء في أرسلها، والضمير للإبل أو الأتن، وقيل: العراك مفعول مطلق لمحذوف هو الحال من الضمير، أي معاركة العراك، وهذا المثال جزء من بيت للبيد بن ربيعة العامري، يصف أتنا وردت الماء مزدحمة، وهو بتمامه:
فأرسلها العراك ولم يذدها … ولم يشفق على نغص الدخال
العراك: ازدحام الإبل أو غيرها عند ورود الماء يذدها" يطردها ويمنعها. يشفق: يرحم.
نغص: نغص البعير -لم يتم شربه الدخال: مداخلة البعير الذي شرب مع الذي لم يشرب، يريد: أن حمار الوحش، أرسل الأتن إلى الماء مزدحمة ولم يرحمها من مزاحمة غيرها ممن شرب، وقد أشار الناظم إلى ما تقدم بقوله:
والحال إن عرف لفظًا فاعتقد … تنكيره معنى كوحدك اجتهد
الحال لا تكون إلا نكرة، فإن جاءت معرفة في اللفظ فهي نكرة في المعنى، كوحدك، فهو مؤول بنكرة، أي منفردا، كما أوضح المصنف.