وأما "أفعل" كأحسن؛ فقال البصريون والكسائي: فعل، للزومه مع ياء المتكلم ونون الوقاية (١)، نحو: ما أفقرني إلى ﵀ -تعالى، ففتحته بناء؛ كالفتحة في ضرب، من: زيد ضرب عمراً، وما بعده مفعول به (٢). وقال بقية الكوفيين: اسم؛ لقولهم: ما أحيسنه (٣)، ففتحته إعراب؛ كالفتحة في "زيد عندك؛ وذلك (٤) لأن مخالفة الخبر للمبتدأ تقتضي عندهم نصبه (٥) و"أحسن"؛ إنما هو في المعنى وصف لزيد لا لضمير "ما" (٦)، "وزيد" عندهم مشبه بالمفعول به (٧).
الصيغة الثانية: "أفعل به؛ نحو: أحسن بزيد. واجمعوا على فعليه "افعل"(٨) ثم
تقديم الإفهام بالصلة أو الصفة، وتأخير الإبهام بالتزام حذف الخبر. والمألوف في الكلام الذي يتضمن إفهاما وإبهاما، تقديم الإبهام؛ فالراجح ماذهب إليه سيبويه من أنها نكرة تامة، وينبغي الأخذ به؛ لأنه خال من التعسف والحذف والتأويل من غير داع.
(١) - أي: ونون الوقاية لا تلزم إلا الفعل.
(٢) - وهو في المعنى فاعل ولهذا المفعول أحكام خاصة؛ منها: أنه لا يحذف إلا إذا دل عليه دليل. ولا يكون إلا معرفة أو نكرة مختصة. ولا يتقدم على عامله. ولا يحال بينهما إلا بالظرف الصحيح. وسيذكر المصنف بعض هذه الأحكام.
(٣) - أي: والتصغير من خصائص الأسماء. ويجيب البصريون، ومعهم الكسائي من الكوفيين: بأن هذا شاذ فلا ينهض دليلا على الاسمية.
(٤) - أي كون فتحته فتحة إعراب، مع كونه خبرا.
(٥) - أي نصب الخبر، فعامل النصب عندهم في الخبر هو المخالفة للمبتدأ؛ أي كون "ليس" وصفا له، أما إذا كان الخبر هو المبتدأ في المعنى: كالله ربنا أو مشبها به؛ نحو: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم﴾؛ فإنه يرتفع ارتفاعه. من الآية ٦ من سورة الأحزاب.
(٦) - هذا بيان للمخالفة هنا، وهي أن الخبر ليس وصفا للمبتدأ في المعنى، وفيه إشارة إلى أن معنى "أحسن" عنددهم: فائق في الحسن، لا صير زيد حسنا، كما هو مذهب البصريين؛ إذ التصيير صفة لضمير "ما"، لا لزيد.
(٧) - وذلك لوقوعه بعد ما يشبه الفعل في الصورة.
(٨) - لأن هذه الصيغة لا تكون إلا للفعل. أما "أصبع" فنادر.