كَأَنَّ في أَذْنابِهنَّ الشُوَّلِ ... من عَبَس الصَّيْف قُرونَ الأُيَّلِ ١
وفيه وجه آخر وهو أن يكون العُصْمُ جمع العِصَامِ وهو مِساكُ كُلِّ شيء ورباطُه ومنه عِصَامُ المْحمِل وهو شِكَالُه وقَيْدُهُ ومنه عِصَامُ القِربَة.
وأخبرني ابنُ الزِّئبقي نا الكُدَيْمي نا الأصمَعي قَالَ: أَتيتُ بعضَ البَوادي فإذا غلامٌ بيده قِربةٌ مَملُوءةٌ مُمْسِكٌ عِصَامَها وهو يقُول يا أَبه أَدْرِك القِربَةَ أَدْرِكْ فاهَا غَلبَني فُوهَا خَرجَ الماءُ من فِيها فتعَجَّبْتُ من إعرابه والمعنى أَنَّ خِصْبَ بلاده قد حَبَسَه بفنائه فهو لا يَبْعُدُ في طَلَب المْرعَى فصار بمنْزلة المُقَيَّد الَّذِي لا يَبْرَحُ مَكانَه ومن هذا قَولُ قَيْلةَ في الدَّهْناء إنّها مُقيَّد الجَمل أي أنّ الجملَ إذا وجدَها كَانَ فيها كالمُقيَّدِ لا يَنْزعُ إلى غيرها من البلاد.
ومِثْلهُ حديثُ جَرِير بْن عَبْد الله البَجَلِيّ ووَصَفَ خِصْبَ بلاده فَقَالَ لا يُقَامُ ماتِحُها ولا يَحْسَرُ صَابِحُها ولا يَعزُبُ سَارحُها فالصَّابحُ الَّذِي يَصْبَحُ الإِبلَ أي يَسْقيها صباحًا يَقُولُ لا يَعْيا في سَقْيها ولا يَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ لأَنَّ سَقْيَها تَشْريعٌ لَيْسَ بنَزْعٍ ولا مَتْحٍ.
وقَوله لا يَعْزُب سَارِحُها. فالسَّارِحُ من النَّعَم ما سرحَ أي رَعَى يريدُ أَنَّه لا يَبْعُد في طلب المَرْعَى وأنشد سَلَمةُ صَاحِبُ الفَرَّاء قَالَ ولا أعْلمهُ إلا عَنِ الأَصْمَعيّ:
إنَّك يا عَمرو وَتَرْكَ النَّدَى ... كالعَبْد إِذْ قَيَّد أَجْمالَه