للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو لم تتحقق الرواية من الشاعر بالنصب لأمكن أن يرفع عطفا على (تحوي) أي: غزوة تجمع الغنائم أو أستشهد فيها، عبر عن قتله بالموت إشارة إلى أنه أرفع من أن يقتله الخصم، بل يموت لتحقق الأجل، وبالجملة عبر عن نفسه بالكريم إشارة إلى أنه بلغ في الكرم إلى حدّ صح أن ينتزع منه كريم آخر مثله، ولهذا لم يقل: أو أموت.

قال الشارح المحقق: وهذا بخلاف قوله: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ (١) إذ لا معنى للانتزاع فيه، هذا كلامه.

والفرق خفي، ويجوز أن يكون: «أو يموت كريم» من وضع الظاهر موضع المظهر للتعظيم. فتأمل.

(وقيل: تقديره: أو يموت مني كريم) فيكون من القسم الأول (وفيه نظر) وهو: إما ما قال الشارح: من أنه لا حاجة إلى هذا التقدير لحصول التجريد بدونه، وإما أنه يجوز أن يكون التقدير: أو يموت بي كريم، فلا وجه للجزم بأنه من القسم الأول.

وقال الشارح: وبهذا يسقط ما قيل: إنه أراد أن في كون البيت من التجريد نظرا؛ لأنه من باب الالتفات، وردّ بأن التجريد لا ينافي الالتفات، بل هو واقع بأن يجرد المتكلم نفسه من ذاته ويجعلها مخاطبا لنكتة كالتوبيخ في (تطاول ليلك بالإثمد) (٢)

والنصح في قوله.

أقول لها إذا جأشت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي

هذا كلامه، ويؤيده: بأنه لو كان النظر ما قيل لم يكن لتخصيصه بالبيت وجه، بل يتجه على كون مخاطبة الإنسان نفسه تجريد، إلا أنه التفات إلا أن يقال: التفات عند السكاكي دون الجمهور.


(١) الكوثر: ١، ٢.
(٢) صدر بيت لامريء القيس، وتمامه:
ونام الخلي ولم ترقد
والبيت من المتقارب وهو في ديوانه وخزانة الأدب (١/ ٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>