ويردّ عليه: أن الالتفات من باب المعاني، فكيف يكون تجريدا معدولا في البديع، ويمكن أن يدفع بأن أصل الالتفات من باب المعاني، ووجوده بطريق التجريد من البديع، حتى لو لم يعتبر في الالتفات تجريد لم يخرج عن البلاغة لكان باب محسن.
وذكر المحقق شريف زمانه: أن مبنى التجريد على دعوى المغايرة والالتفات لإرادة معنى واحد في هيآت مختلفة، فمبناه على دعوى الاتحاد، فلا يجتمعان، نعم الرد مردود بمنع التجريد بكونه التفاتا، وما ذكره ضعيف؛ لأن إرادة المعنى الواحد في الواقع في صور لا تنافي دعوى التعدد.
(ومنها ما يكون) أي منتزع يكون مذكورا (بطريق الكناية): وفيه أنه لا تقابل بين ما يكون بحرف وما يكون بطريق الكناية، فإنه ما يكون بحرف أيضا قد يكون بطريق الكناية، نحو: لقيت من زيد طويل النجاد، وأيضا المنتزع قد يذكر بطريق الحقيقة نحو: لقيت من زيد عالما، وقد يذكر بطريق المجاز نحو: لقيت من زيد أسدا، وقد يذكر بطريق الكناية فجعل ما هو بطريق الكناية من الأقسام دون غيره لا بدّ له من داع، (نحو قوله: يا خير من يركب المطيّ) هو جمع مطية بمعنى: الدابة التي تمطو، أي: تسرع في سيرها (ولا يشرب كأسا بكفّ من بخلا) صفة كأس أو متعلق بيشرب، ذكر شربه بكف الجواد بطريق الكناية؛ لأنه إذا لم يشرب بكف بخيل وهو يشرب فيشرب بكف الجواد، وفيه بحث من وجهين:
أحدهما: أن نفي الشرب بكف البخيل لا يستلزم الشرب بكف الجواد، لثبوت الوساطة بين البخيل والجواد، ودفع بأن الاستلزام بمعونة المقام.
وثانيهما: أن إسناد الشرب بكف الجواد إلى نفس ذلك الجواد لا يقتضي انتزاع جواد منه كما أن قولنا: يا من يشرب بكفه، لا يقتضي انتزاع شخص آخر منه، فالقول بالتجريد قول بلا ثبت، ولذا قيل: إن الخطاب إن كان لنفسه فهو تجريد، وإلا فليس من التجريد في شيء، وإنما هو كناية عن كون الممدوح غير بخيل، فلا يرد ما أورده عليه الشارح المحقق: أن كونه كناية لا ينافي التجريد، وأنه إن كان خطابا لنفسه لم يكن إلا القسم المذكور بعده؛ لأنه مخاطبة الإنسان