نفسه بأن ينتزع من نفسه شخصا آخر مثله في الصفة التي سبق بها الكلام، على أنه لا يضر المعترض كونه عين ما جعل قسيما له؛ لأنه داخل في اعتراضه، وإن لم يصرح به، نعم يمكن إثبات التجريد بأنه يتبادر من قولنا: يا من يشرب بكف جواد جواد غيره، فبمقتضى مقام المدح إذا حمل على نفسه فالأولى أن يحمل على الانتزاع؛ لئلا يخرج بالكلية عن المغايرة المفهومة منه، مع أنه أبلغ من وصفه بالجود، وأنسب بما هو المقصود من الكناية، أعني: إيراد المعنى مستورا في لباس مزين.
(ومنها مخاطبة الإنسان نفسه) أي: تجريد في وقت مخاطبة الإنسان نفسه، ففي العبارة مسامحة، ولا خفاء في أنه ليس إلا تجريدا في صورة الالتفات على مذهب السكاكي، فمنها: إخبار الإنسان عن نفسه بطريق الغيبة، (كقوله: ) أي: أبي الطيب (لا خيل عندك تهديها) للممدوح (ولا مال فليسعد النّطق) بمدحه (إن لم تسعد الحال) أي: حالك، وهي: الفقير، إذ الفقر لا يسعد للإهداء، وإنما يسعد الغنى وهو عادته، فتفسير الحال بالغنى ليس كما ينبغي، والظاهر تفسيره بالفقر، ولك أن تحمل إسعاد النطق على العذر بالفقر في عدم الإهداء.
(ومنه المبالغة المقبولة) بخلاف المردودة، فإنها لا تكون من المحسنات، وفي عددها من المحسنات رد على من ردها مطلقا، وفي التقييد بالمقبولة رد من قبلها مطلقا، والشارح جعل التقييد بالقبول ردا عليهما، وأما ما يقال في رده مطلقا:
إن خير الكلام ما جاء على منهج الصدق، كما يشهد له قول حسان.
وإنما الشعر لبّ المرء يعرضه
أي: شعر المرء على المجالس إن كيّسا وإن حمقا.
فإنّ أشعر بيت أنت قائله ... بيت يقال إذا أنشدته صدقا
أي: صدق صدقا، ففيه: أنه فليكن المقصود: أن أشعر بيت ما يروج بحسن نظمه معناه، بحيث يعترف السامع بصدقه وإن كان كاذبا.
وأما ما يقال في قبولها مطلقا: إن أحسن الشعر أكذبه، قضية مشهورة اشتهرت بين العقلاء وتلقاها بالقبول معاشر الفضلاء، وأن خير الكلام ما بولغ