للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحمل مكاره الرقيب، فإن وجهك الجنة حفت بالمكاره، ولا بد لطالب الجنة من مشاق التكاليف، أو دعني ولا تمنعني من العنف بالرقيب، فإن وجهك الجنة، فلا بد له من ملاقاة المكاره.

فقوله: الجنة حفت بالمكاره اقتباس من قوله عليه السّلام «حفت الجنة بالمكاره» (١) يقال: حففته بكذا أي جعلته محفوفا محاطا.

ومما ينبغي أن يلحق بالاقتباس تضمين الكلام شيئا من كلام عظماء الدين ممن يتبرك بهم، وبكلامهم سيما الصحابة الكرام والتابعين العظام، ومن ينخرط في سلك هذا النظام، وليكن هذا مما لوح به قوله: ومما يتصل به كما نبهنا عليه.

(وهو) أي الاقتباس (ضربان ما لم ينقل فيه المقتبس من معناه الأصلي) بل استعمل في مفهومه الأصلي وأن يغير ما استعمل فيه هذا المفهوم بغير تبدل فرد بفرد (كما تقدم) من الأمثلة الأربعة فإن قوله:

(فصبر جميل) استعمل في مفهومه، أما إذا أريد فصبر جميل أجمل فظاهر، وأما إذا أريد فأمري صبر جميل، فلأن مفهوم أمري صبر جميل واحد، وإن اختلف ما صدق عليه أمري، فإن الأمر في القرآن أمر يعقوب- عليه السّلام- وفي الشعر أمر الشاعر، وفيه نظر، لأن اتحاد المفهوم في ضمير المتكلم لا يتم إلا أن يكتفى ببقاء أكثر الألفاظ على مفهومه، وهكذا حفت بالمكاره، فإن المكاره على مفهومه، ولكن تغير الفرد وحفت بمعناه، لكن الضمير إلى وجه الحبيب لجعله بمنزلة الجنة.

(وخلافه) أي ما لم ينقل فيه المقتبس من معناه الأصلي (كقوله) أي قول ابن الرومي:

لئن أخطأت في مدحك ... فما أخطأت في منعي

لقد أنزلت حاجاتي ... بواد غير ذي زرع (٢)

أي: بجناب لا يقع، هو اقتباس من قوله تعالى، حكاية عن إبراهيم عليه السّلام: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ


(١) صحيح، أخرجه مسلم عن أنس وأبي هريرة.
(٢) انظر البيت في الإيضاح: (٣٦١). والاقتباس من الآية (٣٧) من سورة إبراهيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>