ذكر في دفعها ما اصطاده جواد قلم السيد السند فاض عليه المغفرة من الأحد الصمد طول الأبد إلى الأبد، أن هذا إجمال لتفصيل جميل إذ المقصود فيه أن مقام التنكير يباين مقام خلافه إلى آخر الكلام، إلا أنه أجمل طلبا للاختصار فوقع الخلل في الإضمار، فالمقصود صحيح واضح، والعبارة مختلفة لا تصح فمن يناقش في المراد بشأنه الاعتداد، ومن يذب عن العبارة الفساد فهو في خرط القتاد، ونحن نقول لما تعارف هذا الإجمال في إفادة التفصيل، وشاع في محاورات البلغاء وأرباب التحصيل فالبيان أيضا بيان جميل.
(ومقام الفصل يباين مقام الوصل ومقام الإيجاز يباين مقام خلافه) صرح بخلاف الفصل بخلاف غيره حفظا لحسن موازنة الوصل للفصل، وطلبا للاختصار بقدر الإمكان، فتأمل. وينبغي أن يحمل قوله: ومقام الفصل يباين مقام الوصل على أن مقام كل فصل يباين مقام كل وصل، ليكون مشيرا إلى تفاوت مراتب الفصول والوصول، ويحمل قوله: ومقام الإيجاز يباين مقام خلافه على أن مقام كل إيجاز يباين مقام كل مخالف له، لذلك فيكون على طبق ما في المفتاح، ولكل حد ينتهي إليه الكلام مقام، فإن لكل من الإيجاز والإطناب لكونهما نسبيين حدودا ومراتب متفاوتة، ومقام كل يباين مقام الآخر.
(و) كذا (خطاب الذكي) أي كذا مقام ما يخاطب الذكي (مع) مقام (خطاب الغبي) أي ما يخاطب به الغبي، وهذا أيضا لا يخص بأجزاء الجملة، ولا بالجملتين فصاعدا، وإنما فصل عما سبق لأن التفاوت فيه نشأ من قبل الخطاب لا من قبل نفس الكلام، والمراد بالذكي الذكي بالإضافة إلى غيره، وكذا المراد بالغبي، فيندرج فيه تفاوت مراتب الذكاء والغباوة. في القاموس الذكاء:
سرعة الفطنة، والغباوة: عدم الفطنة، هذا فالمقابل للغبي هو الفطن، إلا أنه أراد به الفطن، واختاره لمزيد مناسبة لفظية بينه وبين الغبي، فلذا لم يقل مع خلافه.
(ولكل كلمة مع صاحبتها) منصوب بالظرف المتقدم (مقام) مبتدأ خبره الظرف المتقدم، قدم للحصر: أي المقام لها لا لكلمة يشاركها في أصل المعنى، فليس للبليغ أن يختار تلك الكلمة مع صاحبتها ما لم يدعيه إليها هذا المقام، بخلاف