ومنها: حذف الخبر نحو: إن مالا، وإن ولدا، أو إن زيدا، وإن عمرا، فإن أسقطت «إن»، لم يحسن الحذف، أو لم يجز، انتهى كلام الشيخ فيما نقله من الشيخ.
أبحاث: الأول: أن جميع ما ذكره من تأكيد الكلام في هذه المواقع يحتمل أن يكون من فروع كونه ردّا لإنكار أو تردد، إما في صورة التأكيد فيما كان ظن المتكلم في الكائن، أو لا يكون؛ فلأنه وقع ما يستبعد فكأن الحكم في نفسه مظنة الإنكار، أو التردد، فيزول المخاطب به منزلة أحدهما توبيخا على وقوعه، أو تحزنا أو تحسرا إلى غير ذلك، وأما في إصلاحه ضمير الشأن أو تحسينه؛ فلأن إيراد ضمير الشأن لتأكيد الحكم، وتقريره في النفس بالإيهام أولا، ثم التفسير كما ستعرف فالتزم معه ما هو علم في التأكيد والتقرير تنبيها من أول الأمر على أن المقام مقام التحقيق والتقرير، وبذلك لا يخرج عن أن يكون المقصود نفي الشك، أو رد الإنكار، وأما في صورة تهيئة النكرة لكونها مبتدأ أو تحسين وقوعها مبتدأ فلأن ذلك لأن التأكيد مع المنكر أو المتردد وعدم صحته وقوع النكرة مبتدأ إنما هو في موقع لا يفيد الإخبار عن النكرة الصرفة؛ لقلة الفائدة لعدم تعينه. فإذا كان المخاطب بالحكم على النكرة منكرا له أو مترددا فيه كان الكلام غاية في الإفادة، وأما حذف الخبر مع أن وعدم حسنه أو جوازه بدونه فلأن الحكم المنكر يحذف فيه ما هو مناط الحكم من المحكوم به، لئلا يتوحش المنكر عن سماعه، ولا يتنفر عنه، فيتوجه إليه، فلعله يقبله بعد أن يجده بالتأمل.
الثاني: أن قوله تعالى (رب إني وضعتها أنثى) و (رب إن قومي كذبون) لإنشاء التحزن والتحسر، وليس خبرا، فيكون خارجا عما نحن فيه من تأكيد الخبر، ويمكن أن يدفع بأنه نقل من الأخبار بما كان ظن المخبر فيه أن لا يكون إلى إنشاء التحسر والتحزن؛ لأنه أدخل في ذلك، على أن المقصود أن فائدة التأكيد لا تنحصر في نفي شك أو رد إنكار؛ لأنه لا ينحصر في الخبر فيه، فيدل
(١) البيت أورده عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز (٣٢٠).