للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقير فكيف العظيم؟ والظهور تعين الأول للتعظيم والثانى للتحقير عند الطبع السليم كما ادعاه السكاكى لم يبينه، ولا يخفى أنه لو جعل الأول للتحقير والثانى للتعظيم لأقبل عليه الذوق القويم حيث يفيد أنه يكفيه مانع حقير عن العيب ولا بد له من مانع عظيم عن الإحسان، ولك أن تجعل نكتة ترك تعيين المثال وعدم تعينه عنده لتنبهه لهذا المقال لكن لتعيينه فى الإيضاح ينوه عن هذا الاحتمال، ولو جعل الثانى للإفراد حتى يكون عموم النفى صريحا لم يبعد، ومن البين أن إثبات المانع عن كل أمر يشينه يستلزم انتفاء المانع عن الإحسان؛ لأنه شين، فالأبلغ «فليس» ولجعل التنكيرين للتكثيرة والتقليل على ما عرفت فى التعظيم والتحقير من التفصيل مساغ (أو التكثير) بعلاقة إن الكثيرة تمنع عن المعرفة (كقولهم إن له لإبلا وإن له لغنما أو التقليل) بعلاقة إن القلة لعدم الاعتداد بها تحول بينه وبين المعرفة نحو: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ (١) وفى تعريض بالتقليل والتحقير تعرض بما صرح به فى الإيضاح من أن السكاكى لم يفرق بين التعظيم والتكثير والتقليل والتحقير، وأكد الفرق بقوله: (وقد جاء للتعظيم والتكثير) جميعا نحو: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ (٢) وجعله الشارح إشارة إلى الفرق، والظاهر ما ذكرنا، وتحقيق الفرق أن القلة والكثرة باعتبار الكمية تحقيقا أو تقديرا، والتعظيم والتحقير بحسب ارتفاع الشأن وانحطاطه كما أشار إليه بقوله: (أى: ذو عدد كثير وآيات عظام) والأظهر استفادة الكثرة من جمع الكثرة إلا أن يراد المبالغة فى الكثرة أو فى الدلالة عليها، والعجب من المصنف كيف وافق السكاكى فى هذا المقام وخالفه فى جعل تنوين «نفحة» فيما سيأتى للتحقير، ولم يتعرض لاجتماع التقليل والتحقير لعدم عثوره على مثال من كلامهم، وجعل السكاكى التنكير فى قوله تعالى: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ (٣) للتحقير، واعترض المصنف بأن التحقير مستفاد من بناء


- والتنبيهات (٤١)، والمفتاح (١٠٣)، وشرح المرشدي على عقود الجمان (١/ ٦٦)، ديوان المعاني (١/ ١٢٧)، ومعاهد التنصيص (١/ ١٢٧)، أمالي القالي (١/ ٢٣٨) مغني اللبيب (٥٧٧).
(١) التوبة: ٧٢.
(٢) فاطر: ٤.
(٣) الأنبياء: ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>