للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئا من المحالات المذكورات بل كون التقديم لغوا، وفيه أيضا بحث لأنه إنما يكون لغوا لو لم يكن له في هذه الصورة داع آخر من دواعي التقديم وهو ممنوع.

قال الشارح المحقق: يجوز التقديم من غير قصد التخصيص إذا أظهر أن التقديم لغرض آخر غير التخصيص كما إذا ظن المخاطب بك ظنين فاسدين أحدهما: أنك قلت هذا القول، والثاني: أنك تعتقد أن قائله غيرك فيقول لك:

أنت قلت لا غيرك فتقول له: ما أنا قلته ولا أحد غيري قصدا إلى إنكار نفس الفعل فيقدم المسند إليه ليطابق كلامه هذا كلامه المنقح لكلام المفتاح ولك أن تقول: لم يصح هذا التركيب؛ لأن نفي القول عن المعطوف عليه نفي على وجه الاختصاص بمقتضى التقديم، ونفيه عن المعطوف نفي لا على وجه الاختصاص فلا يحسن العطف وهذا الوجه يفيد عدم صحة أن يقال: ما أنا قلت هذا أو لا زيد بخلاف الوجوه السابقة، والوجوه السابقة تنفي صحة: ما أنا ولا غيري قلنا هذا بخلاف هذا الوجه، والشاهد البريء عن الاتهام الجلي من غير الإيهام أن تقول: ولهذا لم يصح «ما أنا قلت هذا وقال غيري» لأنه بعد قال غيري لاغية ليس لها داعية ومما يجب التنبيه عليه أن هذا التخصيص فيما إذا لم يكن المسند إليه دالا على العموم نحو: [ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه] (١) فإنه لنفي الشمول خاصة، والظاهر أن التقديم لأنه مناط الفائدة المقصودة بالكلام من توجيه النفي إلى الشمول خاصة.

(ولا ما أنا رأيت أحدا) أي: ولأن التقديم يفيد تخصيص المسند إليه بنفي الخبر الفعلي مع تصويب إثبات ما نفي عنه بعينه للغير لم يصح هذا التركيب ويتجه عليه أن رؤية الغير أحدا غير باطل، وهو الذي نفي فالمثبت للغير هو لا غير ويمكن أن يدفع بأن المراد به «تخصيص المتكلم» ينفي رؤية أحد في وقت معين ردّا


(١) البيت للمتنبي، وتمام البيت:
تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
وهو من قصيدة مطلعها:
بم التعلل لا أهل ولا وطن ... ولا نديم ولا كأس ولا سكن
انظر البيت في: التبيان (٢/ ٤٧٨)، دلائل الإعجاز (٢٨٤)، شرح المرشدي على عقود الجمان (١/ ٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>