للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه إن أريد بكونه معمولا للفعل النفي أن يكون معمولا لفعل دخل عليه النفي يخرج عنه، نحو: ليس كل إنسان ناجيا، ولو أريد أن يكون معمولا لفعل يدل على النفي لدخل فيه، نحو: انتفى كل إنسان (أو تعلقه) أي: الفعل أو الوصف (به) أي: ببعض، أورد عليه الشارح المحقق بعد نقله عن الشيخ:

المبالغة في أن النفي للعموم خاصة مع بقاء الأصل في بعض مواد تخلف من كلام الله عز وجل نحو: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ (١) ونحو: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢) وقوله: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (٣) فقال: والحق أن هذا الحكم أكثري لا كلى. قلت: يمكن أن يعتذر عن تلك المواد، بأن نفي المحبة كناية عن البغض، والنهي عن الإطاعة كناية عن الأمر بالاجتناب والمضادة، فكلمة كل: ليست معمولة للفعل المنفي فيها، ولا يخفى أن هذا التحقيق من الشيخ ليس بخصوص كل، بل هو مبين على ما حققه غير مرة أن النفي إذا دخل على كلام فيه قيد يتوجه إلى القيد، ويثبت الأصل.

والتحقيق أن هذا أكثري لا كلي، ولا يبعد أن يقال: مراد الشيخ: أن مقتضى ورود النفي أن ينصرف إلى القيد، حتى لا يستفاد منه إلا ذلك، كما أن مقتضى وضع اللفظ لمعنى أن لا يفهم منه إلا ذلك المعنى، وذلك لا ينافي أن يفرض أمر يخرجه عن مقتضاه، ويعمل به ما لا يرضاه، ولا يخفى: أن البعضية قيد في الكلام كالعموم المستفاد من كل عام، ومقتضى ذلك أن يفيد: ما جاءني بعض القوم، ثبوت الحكم للكل لرجوع النفي إلى البعضية، مع أنه ليس كذلك.

والفرق من مواهب الأنظار الدقيقة ولا ضنة بك إن كنت أهلا له، فنقول: قد شاع استعمال البعض في البعضية المطلقة المجامعة للكل أكثر من شيوع الوحدة في الوحدة المطلقة المجامعة للكثرة، فكما أن: ما جاءني رجل، يجامع عموم النفي، فكذلك: ما جاءني بعض القوم فلذا لا يفيد مجيء الكل (وإلا) أي: وإن لم يكن كلمة كل داخلة في حيز أداة النفي، بأن لا يكون في الكلام نفي، نحو: كل إنسان قام، أو قام كل إنسان، أو كان؛ لكن لم يدخل كل في حيزه (عم) لكلام


(١) الحديد: ٢٣.
(٢) البقرة: ٢٧٦.
(٣) القلم: ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>