للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أحاطت كل به من الإفراد، ولما كان العموم في المثبت واضحا، اقتصر على بيانه في الكلام المنفي فقال: (كقول النبي- عليه السّلام- لما قال له ذو اليدين) - وهو الخرباق السلمي (١) - ويقال له: ذو الشمالين- أيضا- ولعلهم أشاروا بذلك إلى ضعفهما، أو إلى قلة غايتهما، ويقال له: الأضبط، وهو الذي يعمل بيديه، كذا في شروح المصابيح، وفي الشرح أن قوله: وإلا بمعنى: وإن لم يكن كلمة كل داخلة في حيز النفي، ويكون في الكلام نفي ومعنى قوله: عم عم النفي، وما ذكرنا أشمل، وما ذكره أظهر (أقصرت الصلاة) فاعل قصرت (أم نسيت يا رسول الله) مقول قول ذي اليدين ومقول قول النبي- عليه السلام- (كل ذلك لم يكن) (٢) أي: لم يثبت القصر ولا النسيان، وفيه إشكال، وهو أنه: كيف صدر عن معدن الصدق ما لم يطابق؟ حتى قيل: مراده صلّى الله عليه وسلّم كل ذلك لم يكن في اعتقادي، فيكون صادقا، ولا يخفى أنه يتجه أنه كيف يظن به صلّى الله عليه وسلّم الاعتقاد الغير مطابق فيما ليس؟ فلا بد أن يلتزم أنه لا بعد في وقوع الاعتقاد الغير المطابق أو القول الغير المطابق فيما ليس هو من الأمور الدينية، ولا يبعد أن يقال: النسيان ليس منه صلّى الله عليه وسلّم، بل أنساه ربه، ولذا أمرنا بأن: لا نقول:

نسيت، بل نسّيت على صيغة المجهول من التفعيل، ولا يخفى أن هذا الترديد مبني على عدم الفرق بين السهو والنسيان، وإلا ينبغي أن يقال: أقصرت الصلاة؟ أم نسيت؟ أم سهوت؟ وقوله: (وعليه) لا فائدة فيه، والظاهر، وقول أبي النجم:

قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى ... عليّ ذنبا كلّه لم أصنع (٣)


(١) هو الخرباق أو العرباض بن عمرو الصحابي الجليل، وسمي ذو اليدين، قيل لطول كان في يديه، وقيل أضبط، أعني يعمل بكلتا يديه، فهو أعسر أيسر. انظر الإيضاح ص ٧٣.
(٢) أخرجه البخاري في الصلاة، ومسلم في المساجد وأحمد في المسند (٢٣٤١٢).
(٣) البيت في الإيضاح (٧٣)، والمصباح (١٤٤)، وأسرار البلاغة (٢/ ٢٦٠)، والمفتاح (٣٩٣)، والإشارات والتنبيهات (٢٥)، دلائل الإعجاز (٢٧٨)، خزانة الأدب (١/ ٣٥٩)، نهاية الإيجاز (١٨٢)، شرح المرشدي على عقود الجمان (١/ ٥٣)، والأغاني (٢٣/ ٣٦)، ، ويقول عبد القاهر في تعليقه على البيت: «إنه أراد أنها تدعي عليه ذنبا لم يصنع منه شيئا البتة لا قليلا ولا كثيرا، ولا بعضا ولا كلّا، والنصب يمنع من هذا المعنى ويقتضي أن يكون قد أتى المذنب بالذنب الذي ادعته بعضه وذلك أنا ... وجدنا إعمال الفعل في «كل» والفعل منفي لا يصلح أن يكون إلا حيث ... -

<<  <  ج: ص:  >  >>