بديع هذا إذا أريد بقوله: لاختصاصه بحكم بديع كونه مختصّا بحكم بديع كما هو المشهور، أما لو أريد تخصيصه بالحكم البديع فيعني التعبير باسم الإشارة، ليجعل مخصوصا بحكم بديع؛ لأنه لو لم يتميز والتبس بالغير لا يخص الحكم به، بل كان ترددا بينه وبين ما يلتبس به، فعبارته سديدة (كقوله: ) أي: كقول ابن الراوندي (كم عاقل عاقل) أي: كامل العقل كذا قالوا: ويحتمل أن يكون من قبيل كل فرد فرد (أعيت) أي: أعجزته، أو أعيت عليه، أي: صعبت، وحذف العائد المفعول أهون من حذف العائد المجرور، والأبلغ أن يجعل حذف المفعول للتعميم، أي: أعيت كل واحد، أو صعبت على كل أحد طرق معاشه، فتشكل عليه المعيشة، ولغيره إعانته (مذاهبه) أي: طرق معاشه (وجاهل جاهل) عطف على عاقل عاقل (تلقاه مرزوقا) عطف على أعيت مذاهبه، ولا بأس إذ المجرور مقدم، ويحتمل أن يكون مرزوقا حالا من المفعول، وأن يكون حالا من الفاعل، أي: تلقاه مرزوقا أنت بسبب ملاقاته، وفيه مزيد مبالغة في ثروته سيما إذا جعل المضارع للاستمرار (هذا الذي ترك) أي: صير فإن ترك إذا عدى باثنين يكون بمعنى صير على ما في التسهيل (الأوهام حائرة وصيّر العالم النّحرير) المتقن (زنديقا)(١) أي: نافيا للصانع منكرا للآخرة، وتفسيره بمجرد النافي للصانع كما في بيان الشارح المحقق، والسيد السند في شرح المفتاح لا يوافق ما في القاموس هو من لا يؤمن بالآخرة، والربوبية، وفي القاموس أو هو معرب زندين، أي: دين المرأة، فإن قلت: إذا كان هذا مصير الأوهام ذوات حيرة، فغاية أمر العالم أن يتحير، فمن أين التصيير جازما بنفي الصانع؟ قلت: جعله الغضب المستولى عليه من حرمانه، مع استحقاقه منكرا للصانع معاندا.
فقوله: هذا إشارة إلى حكم معقول غير محسوس، وهو كون العاقل محروما، والجاهل مرزوقا، فكان المقام مقام الإضمار؛ لكنه لما اختص بحكم بديع، وجعل الأوهام حائرة، والعالم المتقن زنديقا كملت عناية المتكلم بتمييزه، فأبرزه في معرض المحسوس، فكأنه يرى السامعين أن هذا الشيء المتعين المتميز هو الذي له
(١) البيت لابن الراوندي في المفتاح ص ١٧٩ والمصباح ص ٢٩ والإيضاح ص ١٥٥.