بأول مصراع امرئ القيس، مع أن السكاكي أورد أبياته الثلاثة، إذ هذا الالتفات في المصراع الأول فقط أتي من بين شواهد السكاكي بهذا؛ لأنه بالغ السكاكي في مدح امرئ القيس في هذا المقام بحيث يترائى أي: إن أوثق ما ذكره هذا الشعر، وما ذكره الشارح المحقق من أنه خصص هذا المثال من بين أمثلة السكاكي لما فيه من الدلالة على أن مذهبه: أن كلا من التكلم والخطاب والغيبة إذا كان مقتضى الظاهر إيراده، فعدل عنه إلى الآخر، فهو التفات؛ لأنه قد صرح بأن في قوله:[ليلك] التفاتا؛ لأنه خطاب لنفسه ومقتضى الظاهر [ليلى]، ففيه أن من بين أمثلته كثيرا يحصل منه هذه الدلالة، إلا أن يقال: أراد أنه خصص هذا المثال من بين الأمثلة المشتملة عليه هذا البيت، وحينئذ يمكن أن يراد في النكتة، ويقال الأنسب في مقام الاقتصار على مثال واحد: أن يذكر مثال الأول ما ذكر في القاعدة، وهو نقل الكلام من التكلم ولا يذهب عليك أنه ينبغي للشارح أن يقول: لما فيه من الدلالة على أن مذهب علماء المعاني عنده كذا، لا أن مذهبه كذا، لأنه ادعى أن ما ذكره مذهب علماء المعاني، لا أنه مذهبه.
(والمشهور أن الالتفات هو التعبير عن معنى بطريق من الثلاثة بعد التعبير عنه بآخر منها)، وكأنه حمل السكاكي قولهم: بعد التعبير عنه بآخر منها على أعم من التعبير حقيقة أو حكما، واقتضاء المقام تعبيرا في حكم التعبير، ولا يخفى أن التعبير عن معنى يقتضي المقام التعبير عنه بلفظ مذكر بلفظ مؤنث، وبالعكس، وكذا التعبير بمذكر بعد التعبير بمؤنث يشارك الأمثلة المذكورة في النكت، فينبغي أن يجعل تحت الالتفات، وله نظائر أرجو أن تتفطن لها، ولا تقتصر على ما ألقيته إليك، ولو لم يثبت أنها جعلت التفاتا، فتجعلها ملحقات به، وصرح العلامة في شرح المفتاح غير مرة بتقيد تعريف الالتفات بأن: يكون التعبير الثاني على خلاف مقتضى الظاهر وادعى الشارح المحقق: أن التنبيه لوجوب زيادة هذا القيد من عنده، وتمسك بأنه لو لم يقيد التعريف لدخل فيه ما ليس من الالتفات، نحو: أنا زيد وأنت عمرو، ونحو: إياك نستعين، فإنه بعد التعبير بالغيبة، مع أنه لا التفات إلا في إياك نعبد، لأنه بعد إياك نعبد يقتضى