للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَسَنَةُ) أي: قوم موسى جنس الحسنة قالُوا لَنا هذِهِ أي: لأجلنا هذه لا لغيرنا، يعني: لا سبب لهذه الحسنة إلا نحن (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أي:

بلية (يَطَّيَّرُوا بِمُوسى) ويقولون هذه بشآمة موسى (وَمَنْ مَعَهُ) (١) من المؤمنين، وسبب حدوثها هم، والأظهر أن المراد بمن معه: هارون، والتطير بموسى، من معه لتنزيل موسى ومن معه منزلة الفال الرديء؛ إذ التطير التشاؤم بالفال الرديء، على ما في القاموس، ولا يخفى أن اللام في: لنا، للتعليل، لا للاختصاص؛ لأنه مقتضى تطيروا بموسى، ومن معه، فتفسير الشارح قوله لنا:

هذه ناقة بأنه مختصة بنا محل نظر، وإنما حصروا سببية الحسنة في أنفسهم دون سببية السيئة في موسى ومن معه، ولم يقولوا بموسى، ومن معه: يطيروا؛ لادعاء ظهور حصر الشآمة في موسى، ومن معه، بخلاف السببية للحسنة، فإن الله تعالى يرزق كل بر وفاجر وينعّم كل صالح وطالح، ولذا كثرت الحسنة، وغلبت على السيئة، ولم يراع في التمثيل ترتيب الممثل؛ لأن الآية منعتها (لأن المراد) أي: أتى بالماضي مع إذا في جاءت الحسنة؛ لأن كذا في الإيضاح، والأظهر صح تمثيل المجيء بإذا مع الماضي، للقطع بوقوعه، ورعاية المناسبة بقوله:

فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ لأن المراد (الحسنة المطلقة) لا المقيدة التي هي فرد من أفرادها نوعا كان أو جنسا (ولهذا عرفت تعريف الجنس) (٢) دلالة على إطلاقها؛ لأن الجنس الكثير الأفراد، كالواجب الوقوع، لكثرته واتساعه في الأنواع الكثيرة، وفيه تعريض بالسكاكي (٣)، حيث قال: ولهذا عرفت تعريف العهد أو الجنس والعهد أقضى لحق البلاغة، ووجهه: أن العهد ينافي الإطلاق فضلا عن أن يكون أقضى لحق البلاغة، ولعمري أن هذا من مطارح الأنظار ومسارح الأفكار، ولقد أطال فيه الشارح المحقق، وزاد عليه ما زاد السيد السند المدقق، ونحن لا نرضى بأن نورد كلماتهم المستجلبة لمزيد الإطالة بعد أن هدينا إلى وجه كلامه، وشممنا نكهة مرامه فنهدي بذلك للهداية، ونعينك بالدراية عن كثرة الرواية، فنقول: المراد الحسنة المطلقة ولإرادته طريقان أحدهما: الواضح


(١) الأعراف: ١٣١.
(٢) يعني الحقيقة في ضمن فرد مبهم بدليل إسناد المجيء إليها.
(٣) المفتاح ص ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>