للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير المختفي عن أحد، وهو الذي ذكره المصنف، والثاني: أن يراد بالحسنة: ما يطلق عليه الحسنة، فيجمع لفظ الحسنة بين الجنس، وكل فرد فيعرف تعريف العهد بناء على أن الجنس الذي هو حصة من هذا المفهوم، لتعينها بكثرتها واتساعها صار كالمعهود المذكور في التقرر في ذهن السامع، ويراد بهذا الاعتبار من لفظ الحسنة، ولا شك أنه أفضى لحق البلاغة، حيث جعل تعينه لكثرتها نصب العين، ورجح في التعين على كل فرد من أفرادها، مع أن المتوقع إبهامها، وتعين الفرد؛ إذ الفردية- إنما يحصل بالتعين.

(والسيئة نادرة بالنسبة إليها) أي: الحسنة، قال المصنف: أي: أتى في جانب السيئة بلفظ المضارع مع أن، ونحن نبهناك على وجه آخر (ولهذا نكرت) (١) تنبيها على أن الجنس لقلة أفرادها لم يخرج عن الإبهام، ولم يستحق التعريف المقتضى للتعيين، وقال الشارح المحقق: نكرت للتقليل، وما ذكرنا أنسب، والأحسن الأبلغ أن يقال: أريد بالسيئة سيئة حقيرة، أي: إن أصابتهم سيئة حقيرة يتطيروا فضلا عن أكثر، وهذا كما يقال: إن حسر فلان فلها يراه مني، وهذا الذي ذكره من مجيء إذا مع الماضي في الكثير، وإن مع المضارع في النادر هو مقتضى الظاهر، ولا يمنع استعمال إذا في النادر مع التنكير والتعريف في النادر هو مقتضى لنكتة فلا يشكل. عليك قوله تعالى: وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ (٢) وقوله: وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٣)؛ لأن استحقاق الإنسان لكل ضر، اقتضى أن يكون مباشرته لقدر يسير، كما يدل عليه لفظ المس كالمقطوع به، وأن ابتلاء الإنسان المتكبر المعرض بالشر المتعين؛ لكونه نصب العين بالنسبة إليه، يجب أن يكون مقطوعا به؛ إذ ضمير: «إذا مسه الشر» لذلك الإنسان المدلول عليه بقوله: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ (٤) ولا منافاة بين جعل المساس مفهما للمباشرة القليلة، ومنع دلالته على قلة فاعله بدليل قوله تعالى: لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ


(١) لأن التنكير في أصله يفيد التقليل لدلالته على الوحدة، بخلاف «أل» الجنسية.
(٢) الروم: ٣٣.
(٣) فصلت: ٥١.
(٤) فصلت: ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>