استعمال لولا اختصاص إن بالمشكوك، قلت: نزل جزمه باللاوقوع منزلة الشك تنبيها على أن الجزم باللاوقوع مما لا يليق والغاية فيه الشك، وقد أشكل ذلك على الشارح المحقق في استعمال إن فيما نزل منزلة المحال، وأجاب عنه بهذا الجواب، وغفلته عن توجه الأشكال بعينه هنا من العجاب على أنه يمكن أن يقال:
استعير إن لغرضه دون لو؛ لأن «إن» أقرب مما هو المقصود لعدم دلالته على انتفاء الثاني لانتفاء الأول، فلو وإن كان أنسب من جهة دلالته على انتفاء الشرط، لكنه بعيد من جهة دلالته على انتفاء الجزاء، فلأن ترجيح من هذا الوجه، ومن النكت البديعة جعل معارضة اعتقاد المتكلم والمخاطب مورثا للشك كما يورث تعارض الدليلين الشك في الدعوى، ومنها: العدول إلى الشك؛ لأن القطع غير رائح، وقوله: إن صدقت فماذا تفعل، يحتمل الكل (أو تنزيله) أي:
المخاطب العالم بوقوع الشرط أو لا وقوعه وتخصيصه بوقوع الشرط، كما في الشرح غير ظاهر (منزلة الجاهل (١) لمخالفته مقتضى العلم) كقولك: لمن يؤذي أباه:
إن كان أباك فلا تؤذه؛ لأن مقتضى العلم بالأبوة عدم الإيذاء، ذلك أن تجعل نكتة التنزيل جريه على موجب الجهل يفرق بين النظرين ذو الفضل، ومن النكت الدقيقة: تنزيل المتكلم علمه منزلة الجهل تنبيها على أن ما يشاهده مما يخالف العلم يشهد بجهله، كما في المثال المذكور، فإن مشاهدة إيذاء الابن تدعوه إلى الحكم بأنه ليس ابنا له (أو التوبيخ) وتعبير المخاطب على وقوع الشرط منه، أو اعتقاده إياه (وتصوير أن المقام لا اشتماله على ما يقلع الشرط عن أصله لا يصلح) ذلك المقام (إلا لفرضه) أي: لفرض الشرط، ولما جعل الشرط مقلوعا عن أصله بقالع في المقام، استشعر أنه لا يصح استعمال «إن» المنافي للقلع، فإن مقامه مقام التردد، فذكر لدفعه نظيرا مشهورا معلوم الحال فقال (كما يفرض المجال) لأغراض تسوي بينه وبين المتمكن في الاستعمال من قصد الإلزام والإبطال وغير ذلك بما يتفطن العقل به المجال.
فإن قلت: فيه تطويل المسافة بلا طائل؛ إذ يحصل الغرض بجعل القالع سببا
(١) يعني به الشاك؛ لأنه هو الأصل في استعمال «إن» والفرق بين هذا وما قبله أن الشاك غير حقيقي هنا، وفيما قبله حقيقي.