للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتنزيله منزلة المشكوك، ولا وجه لجعله منزلا منزلة الباطل، ثم التنزل منه إلى جعله بمنزلة المشكوك، قلت: أجاب عنه السيد السند بمنع انتفاء الطائل؛ إذ فيه مبالغة في التوبيخ يقتضيها المقام.

ونحن نجيب: بأن القالع يحكم عليه بالبطلان، فقطع المسافة الطويلة لقوة هذا القاسر، فإذا بلغ مرتبة الباطل يسترجع عنه بالتنزيل إلى مقام المشكوك (نحو: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) أي: نهملكم، فنصرف عنكم القرآن، وما فيه من الأمر والنهي، والوعد والوعيد؛ إعراضا أو للإعراض، أو معرضين (أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) (١) فيمن قراء إن بالكسر، فإن الشرط، وهو كونهم مسرفين، أي: مشركين مقطوع به، لكن جيء بلفظ «إن» لقصد التوبيخ على الإسراف، وتصوير أن الإسراف من العاقل في هذا المقام يجب أن لا يكون إلا على مجرد الفرض والتقدير؛ لاشتمال المقام على الآيات الدالة على إن الإسراف مما لا ينبغي أن يصدر عن العاقل أصلا، ولاستعمال إذا في مقام التوبيخ مناسبة عظيمة الواقع؛ لعلها تكون كريمة عند البليغ في إشعاره تحقق وقوع الأمر هو عاد تأكيد للتوبيخ، وربما بتحقق التصوير بدون التوبيخ، كما في قولك: إن كان فلان أباك، فلا تؤذه؛ لأن فيه إن اشتمال المقام على صدور الإيذاء من المخاطب يقلع الشرط عن أصله، لكن لا توبيخ على وقوع الشرط، وإنما قال: فيمن قرأ بالكسر اتباعا لمذهب البصري، وإلا فالكوفي يجعل أن المفتوحة كإن للشرط، والبصري يجعله في تقدير «لإن» ويحذف الجار من «إن» قياسا ولا يخفى أن توفيق القراءتين يستدعي أن يجعل المكسور بمجرد السيئة تجريدها عن الشك (أو تغليب غير المتصف به) أي: بالشرط (على المتصف) (٢) وهو ظاهر قول المفتاح، وإما لتغليب غير المرتابين ممن خوطبوا على مرتابيهم، وقد صرح المصنف في الإيضاح بأن المراد بغير المرتاب ظاهره لا غير معلوم الارتياب، حيث قال: فإنه كان فيهم من يعرف الحق، وإنما ينكر عنادا، فلا يصح حمل قوله غير المتصف على غير معلوم الاتصاف، ليكون المعنى: أو تغليب غير المقطوع باتصافه بالشرط على


(١) الزخرف: ٥.
(٢) يعني تغليب المشكوك في اتصافه بالشرط على المجزوم باتصافه به، ولا يعني تغليب المجزوم بعدم اتصافه به على المجزوم فيه بذلك؛ لأن كلا منهما ليس هو المقام الأصلي لها، والمراد تغليب مقامها الأصلس على غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>