للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ قد تبقى في الدنيا، وأنا البارح الطالح لعل الله يبدل ببركة دعائك عملي الفاسد بالصالح.

فإن قلت قد جعل البعض قوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ (١) من قصر الصفة على الموصوف، فهل جاء تقديم المسند لذلك؟ فيكون عبارة المتن محتملة للأمرين، بأن تكون الباء داخلة في صلة التخصيص على المقصور، أو المقصور عليه، قلت: قد سماه المصنف توهما من البعض، على أنه يحتمل أن ذلك البعض جعل اللام في لَكُمْ للاختصاص، فجعل معنى لَكُمْ دِينُكُمْ: دينكم مختص بكم، وجعل التقديم للاهتمام، لئلا يكون المعنى تخصيص الاختصاص، فاستفاد الاختصاص من اللام، وجعله لتخصيص الدين بصاحبه، وحكم بأنه قصر الصفة على الموصوف؛ لأن الدين صفة صاحبه، ولهذا لم يقدم الظرف في لا رَيْبَ فِيهِ (٢) فيه: أنه لا مجال لتقديم الظرف في لا رَيْبَ فِيهِ لأنه يجب التكرير، ولم يقصد إلى متعدد في هذا النظم لينافي التكرير. إلا أن يقال:

قصده بلا ريب فيه: القراءة الغير المشهورة من رفع الريب، تجعل (لا) بمعنى (ليس)، إلا أن الناظر في الكشاف يحكم بأنه بنى الأمر على القراءة المشهورة.

(لئلا يفيد ثبوت الريب في سائر كتب الله) سواء جعل القصر حقيقيا، أو إضافيا، لا تقول: فليكن نفي الريب بالإضافة إلى كتاب السحر والشعوذة؛ لأنا نقول: التخصيص بهذا الكتاب من بين كتب الله بجعل النفس مبادرة إلى سائر الكتب، وهاهنا بحث شريف، وهو:

أنهم جعلوا معنى ذلك الكتاب: أنه الكتاب الكامل في الهداية، بحيث صار محل أن يحصر فيه الكتاب لتنزيل سائر الكتب معها منزلة العدم، وجعلوا لا ريب فيه تأكيدا للحكم السابق ونفيا لتوهم أنه مما يرمى به جذافا كما سيأتي في بحث الفصل والوصل، فمعنى لا ريب فيه أنه لا ريب فيه: باعتبار كماله في الهداية إلى هذه الدرجة، فإذا لم يكن سائر الكتب في درجته، فما المانع عن إفادة الريب فيها بهذا الاعتبار. ويمكن أن يدفع، بأنه لا ريب فيها بهذا الاعتبار أيضا، للجزم


(١) الكافرون: ٦.
(٢) البقرة: ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>