للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأنها بتلك المثابة، ولو كانت محل الريب لكان ذلك الكتاب أيضا محل الريب، فافهم.

(أو التنبيه من أول الأمر على أنه) أي: المسند (خبر لا نعت) (١) فالتقديم في الخبر والنكرة بمنزلة ضمير الفصل في الخبر المعرفة، هذا في مقام يمكن فيه أن يعرف الخبر من النعت بالتأمل وتتبع القرينة، وفي مقام لا يمكن أن يعرف فيه إلا بالتقديم، فالتقديم ليعلم أنه خبر، لا ليعلم من أول الأمر. ولك أن تقول: لفظ التنبيه مغن عن قوله: من أول الأمر؛ لأن التنبيه إنما يستعمل فيما يمكن المعرفة بدونه، والمراد بالخبر أعم من الخبر في الأصل، أو في الحال؛ ليشمل المفعول الثاني من باب علمت، وكان الأوضح؛ ليعلم أنه مسند، والتقديم لذلك التنبيه أنه ينفع مع أنه مع التقديم يحتمل الحال عن المبتدأ، لأن الحال عن المبتدأ لا يكثر، فلا يعارض احتمال الخبر، ولا يوجب الالتباس (كقوله) أي:

قول حسان في مدح أفضل من كل ملك وإنسان:

له همم لا منتهى لكبارها وهمّته ... الصّغرى أجلّ من الدّهر (٢)

أي: لا يسعه الدهر، ولا يخفى أن حسن النظام يقتضي جعل قوله: وهمته الصغرى ... إلخ في سلك لا منتهى ... إلخ، وخلوه عن ضميرهم يأباه إلا أن يقدر الضمير، أي: همته الصغرى منها، أي: من همته.

ولك أن تجعل من موجبات التقديم التحرز عن الفصل بين المبتدأ والخبر بالوصف سيما الطويل، وتجعل البيت منه، فإنه لو قيل: همم لا منتهى لكبارها له؛ لبعد الخبر عن المبتدأ.

قال الشارح: هذا التقديم إنما هو في الخبر الظرف، لأنه لو قدم غيره يلتبس الخبر بالمبتدأ، فيكون من قبيل الالتجاء من ورطة إلى أخرى، فلا يقدم في رجل قائم لدفع الالتباس بالصفة؛ لأنك لو قلت: قائم رجل لالتبس بالمبتدأ، ورجل بالبدل منه.


(١) لأن النعت لا يتقدم على المنعوت بخلاف الخبر على المبتدأ.
(٢) البيت أورده القزويني في الإيضاح (١٠٧)، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات (٧٨).
والبيت قيل: إنه لحسان، والصحيح: أنه لبكر بن النطاح في أبي دلف العجلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>