ولا يخفى أن التأكيد في: زيدا عرفته أيضا أبلغ منه في: عرفت زيدا عرفته، وإن لم يذكره أحد منهم، فليكن في جعله نفس التأكيد أيضا إشارة إليه، ثم خفى وجه كونه أوكد في إفادة الاختصاص على زمرة الخواص؛ إذ لا يخفى أن في ذكر المفسر خلوا عن قصد الاختصاص، فليس فيه إلا تكرار الإثبات، فليس فيه إلا تأكيد الإثبات، دون الاختصاص، وألجأهم إعضال الإشكال إلى التأويل بحمل تأكيد الاختصاص على تأكيده باعتبار جزئه الثبوتي، وهذا في هذا المقام أحسن المقال، ونحن نقول بتوفيق الله الملك المتعال وجه كونه آكد في الاختصاص أن الاختصاص يفهم إجمالا ثم تفصيلا، ولا يخفى تأكيد في التفصيل بعد الإجمال، ولا فرق بين: زيدا عرفته مع قرينة قصد الاختصاص وبينه بدونها في التفصيل والإجمال وفي بعض النسخ.
(وأما نحو قوله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ)(١) في الإيضاح فيما قرأ بالنصب (فلا يفيد إلا التخصيص) قد عرفت أنه مبني على الغالب، وتنزيل القليل منزلة العدم، ويتجه عليه بعد أن هذا الحصر فاسد لفساد إثباته وسلبه، أما الأول، فلنبو المقام عن قصد التخصيص، إذ ليس المقصود: إنا هدينا ثمود دون غيرهم رد الخطأ المخاطب، بل الغرض إثبات أصل الهداية لهم، ثم الإخبار عن سوء صنيعهم، ألا ترى أنه إذا جاءك زيد وعمرو، ثم سألك سائل: ما فعلت بهما تقول: إما زيدا فأكرمته وإما عمرا، فأهنته، وليس في هذا حصر وتخصيص؛ لأنه لم يكن عارفا بثبوت أصل الإكرام والإهانة، كذا ذكره الشارح، ووافقه السيد السند وفيه نظر؛ لأن المقام لا ينبو عن قصد القصر الحقيقي، بل يساعده، فيكون المعنى: إنا هدينا ثمود من أهل زمانهم دون غيرهم، أي:
اصطفيناهم من بين الأقوام بالهداية، فلم يعرفوا حقه وأضاعوه، وهذا أدل على سوء صنيعهم، وأما ما ذكره من المثال فلا ينافى الحصر؛ لأن بناءه على الغالب، وأما الثاني؛ فلأن التخصيص لا ينفك عن التأكيد، حتى قال الشارح المحقق:
إنه ليس الحصر إلا تأكيدا على تأكيد، وقد بين لتقديم ما في حيز الفاء وبعده، إما فوائد ليس التخصيص منها، وهي الفصل بين إما والفاء والتعويض عن المحذوف بعد إما، وإبقاء الفاء السببية متوسطة؛ إذ لا تقع في ابتداء الكلام،