للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو تردد، لأنه مخصوص بالمنكر كما سبق، وقد ينزل المعلوم منزلة المجهول المنكر (لاعتبار مناسب، فيستعمل له) أي: لذلك المعلوم، كذا في الشرح، ويحتمل التعليل، أي: لأجل هذا التنزيل.

(الثاني إفرادا) أي: لإفراد، أو حال كونه قصر إفراد، وإلى الثاني ذهب الشارح، ولا بد من حذف مضاف آخر، أي: طريق قصر إفراد، لأن الثاني طريق القصر لا نفسه، فالوجه هو الأول نحو: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ (١) أي:

مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبرء من الهلاك، لو جعل القصر بالنظر إلى استعظام هلاكه، أي: لا يتعداها إلى استعظام هلاكه، واستبعاده لاستغنى عن التنزيل، ويكون على مقتضى الظاهر (نزل استعظامهم هلاكه منزلة إنكارهم إياه) (٢) فلزم تنزيل علمهم منزلة الجهل، فلا يرد أن الملائم لدعوى تنزيل المعلوم منزلة المجهول ذكر تنزيل علمهم منزلة الجهل، لا تنزيل استعظامهم منزلة الجهل.

قال الشارح: والاعتبار المناسب الإشعار بعظم هذا الأمر في نفوسهم، وشدة حرصهم على بقاء النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما بينهم حتى كأنهم ينكرون هلاكه، ونحن نقول: الاعتبار المناسب التنبيه على مفاسد الاستعظام، حتى لحق بالجهل في الفساد، وتحذيرهم عنه كما يحذر عن الجهل، والأقرب عندي أنه قصر قلب، أي: وما محمد إلا رسول، لا إله، نزل استعظامهم هلاكه منزلة دعوى ألوهيته؛ لأن البقاء يخص الإله (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) واعتقاد الألوهية ينافي الرسالة (أو قلبا) عديل لقوله: إفرادا (نحو: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (٣) فإن المخاطبين بهذا الكلام، وهم الرسل لم يكونوا جاهلين منكرين؛ لكونهم بشرا، لكنهم نزلوا منزلة المنكرين (لاعتقاد القائلين أن الرسول لا يكون بشرا مع إصرار المخاطبين على دعوى الرسالة)، فنزلوا منزلة من يعتقد رسالته، وينكر بشريته، وقلبوا


(١) آل عمران: ١٤٤.
(٢) فكأنهم يعتقدون الشركة بين الرسالة والتبري من الهلاك، وبهذا كان القصر على الرسالة قصر إفراد، والاعتبار المناسب في ذلك هو الإشعار بعظم ذلك الأمر في نفوسهم وشدة حرصهم على بقائه بينهم، وقيل:
إن ذلك قصر قلب؛ لأن محط القصر هو الجملة الواقعة بعد المستثنى لكونها صفة له، والمعنى أنه رسول يخلو كما خلت الرسل من قبله، لا رسول لا يخلو كما هو لازم استقطابهم هلاكه. [المفتاح ص ١٩٨].
(٣) إبراهيم: ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>