للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسالتهم منزلة من يعتقد ملكيته، وينكر بشريته، فقيل لهم: إن أنتم إلا بشر مثلنا، وقلبوا حكمهم، وعكسوه، يعني: أنتم بشر، لا ملك، فقولهم: إن نحن إلا بشر، ليس فيه تسليم انتفاء الرسالة، بل تسليم المقدمة للمجاراة، وإلزامهم بقوله: وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ (١) يعني: انتفاء الملائكة، وثبوت انتفاء البشرية لا يستلزم انتفاء الرسالة، وها هنا بحث شريف آخر، وهو أن قول الكفار: فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢) يدل على أنهم لا ينكرون رسالة البشر، فالوجه إنهم اعتقدوا أن الرسل ادعوا فضلا، وامتيازا عنهم استحقوا بذلك النبوة، فقالوا: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا يعني: لا يتجاوزون البشرية إلى امتياز حتى يستحقوا الرسالة، وحينئذ وصف البشرية بالمماثلة مقتضى المقام، فقولهم إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ تسليم لمقدمتهم، وقولهم: وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ من عباده منع لطلب الرسالة الامتياز، بل (هو فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده) (وكقولك) عطف على قوله: كقولك لصاحبك (إنما هو أخوك لمن يعلم ذلك ويقربه) ظاهر هذه العبارة على ما قررنا عليه بيان الشيخ من أن إنما لا تستعمل إلا بحسب التنزيل بعيد عن الحمل على ما أوله الشارح؛ لأنه حينئذ يكون المعنى لمن يكونه من شأنه أن يعلم ذلك ويقر به، وحينئذ لا وجه لقوله (وأنت تريد أن ترققه) لأن الخطاب حينئذ للإفادة، لا للترقيق، ولذا قال الشارح معترضا على المصنف:

الأولى أن يكون هذا المثال من قبيل التنزيل منزلة المجهول.

والمراد بالترقيق جعله رقيقا مشفقا بإلقاء ما يعلمه أحد إليه، ولم نجده في كتب اللغة، وإنما وجدنا ترقق له إذا رق قلبه له، ونقول: أو تريد الإخبار برقته على المخاطب إذا كان منكرا لرقته عليه، ولو جعل قوله: ترققه للنسبة، أي: تريد أن تنسبه إلى الرقة لكان المراد هذه النكتة، فهي من محتملات عبارته، لكن ما في المفتاح هو الأول.

(وقد ينزل المجهول منزلة المعلوم لادعاء ظهوره) أو ادعاء أنه مما يجب أن يعلم، ويسعى في تحصيله، فكل من يخاطب به، فهو عالم به، ومجرد لمقدمات


(١) إبراهيم: ١١.
(٢) إبراهيم: ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>