للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاستفهام عن سبب عدم رؤيته يستلزم قلة وقوعه والجهل لسببه؛ إذ لا يستفهم عادة عن سبب ما يكثر وقوعه، وقلة الوقوع والجهل بالسبب يستلزم التعجب، لأنه كيفية نفسانية تابعة لإدراك الأمور القليلة الوقوع المجهولة الأسباب، وفي هذا المثال احتمال الحقيقة، ومال إليه الكشاف (والتنبيه على الضلال نحو فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (١) أريد به المبالغة في ضلالهم فقد استعمل في الإخبار المؤكد عن الضلال ووجهه أن الاستفهام مبني على التجاهل المبني على أنه من كمال بعد هذا المذهب عن الاختيار لا يمكن العلم بأنه مذهبكم، فيفيد الحكم بضلالهم حكما مؤكدا في الغاية، وفيه مع ذلك الاحتراز عن مواجهتهم بالتصريح بالضلال، وأدخل في النصح، ولعل هذا التوجيه أقرب بما ذكره السيد السند من أن الاستفهام عن الشىء يستلزم تنبيه المخاطب عليه، وتوجيه ذهنه إليه، فإذ أسلك طريقا واضح الضلالة تزعمك كان ذلك غفلة منه عن الالتفات إلى ذلك الطريق، فإذا نبه عليه، ووجه ذهنه إليه ينبه لضلالة، فالاستفهام عن ذلك الطريق يستلزم توجيه ذهنه إليه المستلزم للتنبيه على كونه ضالا، وفي استعمال الاستفهام دون التصريح بكونه طريق ضلال مبالغتان إحداهما أن كونه ضالا أمر واضح يكفي في العلم به مجرد الالتفات إليه، والثانية إيهام أن المخاطب أعلم بذلك الطريق من المتكلم حيث يحتاج إلى السؤال عنه.

(والوعيد (٢) كقولك لمن نسى الأدب: ألم أأدب فلانا إذا علم ذلك؟ ) وأنت تعلم أنه يعلم ذلك، أريد به أنه سيؤدب فوق تأديب فلان، لأن الاستفهام دل على أن إساءة أدبه صار سببا للشك في أن ما فعل بفلان كان تأديبا له، ويستلزم ذلك أن يفعل به فوق ذلك ليعتبر الغير، ولعل هذا أقرب مما ذكره السيد السند أن هذا الاستفهام يستلزم تنبيه المخاطب على جزاء إساءة الأدب الصادرة عن غيره، وهذا التنبيه يستلزم وعيده على إساءته الأدب، وفي العدول عن الاستفهام عن الإثبات بأن يقول: أدبت فلانا إلى الاستفهام عن النفي إيهام أن المخاطب اعتقد نفي التأديب، فلذلك أقدم على الإساءة، وفيه من المبالغة ما لا


(١) التكوير: ٢٦.
(٢) دلالتها عليه من إطلاق اسم الملزوم وإرادة اللازم أيضا؛ لأن الاستفهام في المثال ينبه على المخاطب إلى جزاء إساءة الأدب، وهذا يستلزم وعيده لاتصافه بها. [بغية الإيضاح ٣/ ٤٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>