للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يخفى هذا، قلت: وفي اختياره على أأدبك؟ إحضار صورة تأديبه المهيب، وتذكير قدرته، لكن لا بد في ذلك من كون تأديبه الواقع هائلا، والمخاطب مثل من أدب أو دونه ليظهر جريان قدرته في حقه.

(والتقرير) أي: حمل المخاطب على الإقرار، فإن الاستفهام يحمل المخاطب على إفادة ما يعلم، والإفادة مستلزمة للإقرار، وقد جاء التقرير بمعنى التحقيق والتثبيت، وهو الاستعمال المشهور، لكن الشارح والسيد السند حكما بأن المراد هنا هو الأول، ولا قاطع لي فيه؛ إذ يصح أن يكون الاستفهام ليتقرر، ويتثبت الحكم المعلوم للمتكلم في ذهن المخاطب؛ لأن الاستفهام يستدعي توجهه إليه وإحضاره، والجواب به وليكن هذا على ذكر منك، وإن لم يحمل التقرير عليه في هذا المقام لرسوخك في التقليد (بإيلاء المقرر به الهمزة) أي: بشرط أن يلي الهمزة ما حمل المخاطب على الإقرار أو ما يثبت المخاطب فيه (كما مر) من التفصيل في حقيقة الاستفهام، وجعل الشيخ وتبعه كثيرون قوله تعالى: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (١) من أمثلة التقرير قال الشيخ: لم يقولوا ذلك، وهم يريدون أن يقر لهم بأن كسر الأصنام قد كان ولكن أن يقر بأنه منه كان وكيف؟ وقد أشاروا له إلى الفعل في قولهم: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا وقال عليه السّلام:

بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا (٢) ولو كان التقرير بالفعل لكان الجواب: فعلت، أو لم أفعل هذا، وكأنه لم يكتف في كونه لتقرير الفاعل بإيلائه الهمزة لما ذكر الشيخ أنه إذا كان التقديم لا للتخصيص يكون الإنكار لأصل الحكم لا لما ولى الهمزة، وفيه نظر.

منهم من زاد في القرينة: إن الغرض من الحمل على الإقرار كان مؤاخذته به، وهي لا يترتب على الإقرار بالفعل، بل بأنه كان منه، وليس بشىء لأن الحمل على الإقرار بالفعل فيما إذا كان وقوع شىء من الفاعل مسلما، ولم يكن معينا، فيعترض الفاعل بأنه كان الشىء الفلاني ينفع في غرض المؤآخذة، واعترض المصنف بأنه لا صارف للآية عن الحمل على حقيقة الاستفهام؛ إذ ليس في السياق ما يدل على أنهم كانوا عالمين بأن إبراهيم عليه السّلام هو الذي كسر


(١) الأنبياء: ٦٢.
(٢) الأنبياء: ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>