للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأصنام! ! وأجيب عنه أولا بمنع انتفاء الدّالّ في السياق، إذ يكفي فيه حلفه بقوله: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (١) ثم لما رأوا كسر الأصنام قالوا: مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٢) فالظاهر أنهم قد علموا ذلك من حلفه ومن ذمه الأصنام، وثانيا بعد تسليم انتفاء الدال في السياق بمنع استلزام انتفاء الدال في السياق انتفاء الدال مطلقا، وكفى دالّا على علمهم ما روى أنهم هربوا وتركوه في بيت الأصنام ليس معه أحد، لشتمه أصنامهم، فخافوا أن يصيبهم بلية عظيمة من سوء أدبه بالأصنام، فتركوه وحده ليخربه أصنامهم لسوء أدبه، فلما أبصروه يكسرهم أقبلوا إليه يسرعون ليكفوه.

هذا وقد أقبل الشارح المحقق والسيد السند إلى هذا الجواب، وفيه بحث؛ لأن الكفار اعتقدوا أصنامهم أجلّ من أن يكيدهم إبراهيم بنفسه، فلعل حملوا كيدة أصنامهم على دعوة ربه إلى أن يكيدهم، وجوزوا أن يكون الكسر من إليه إبراهيم؛ فيكون التقديم قصر قلب أو جوزوا أن يكون بإمداد جنود أرسلها إليه لإعانته، فيكون قصر إفراد. وأما ما روي فلعله لم يثبت عند المصنف، ولو كان ثابتا لما احتاجوا إلى إقرار، بل كان يتأتى لهم تأديبه بالشاهد المشاهد، وإنما خص اشتراط الإيلاء بالهمزة مع أن هل أيضا لتقرير ما يليه؛ لأنه لا يتفاوت المولى لها، بل يليها أبدا الجملة بتمامها، وإنما يتفاوت المولى للهمزة، فهل يستغني عن بيان الشرط بخلاف الهمزة، وكذا الأسماء الاستفهامية؟ لأنها بتقرير ما يسأل بها عنه لا للمولى يليها.

(والإنكار كذلك نحو أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ) (٣) أي بإيلاء المنكر الهمزة، فقوله: «كذلك» إما تشبيه بالتقرير، أو تشبيه بما مر، وغير الهمزة إما لإنكار نفس مدلول كلمة الاستفهام، أو إنكار نفس الحكم إذا كانت هل، ولا أظنك إلا مستغنيا عن التفصيل في التمثيل.

والذي يجب التنبيه عليه أن (ماذا) و (من ذا) و (كيف ما) لإنكار نفس


(١) الأنبياء: ٥٧.
(٢) الأنبياء: ٥٩ - ٦٠.
(٣) الأنعام: ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>