للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفعل إلا أن المنكر أولا مدلولها، ويتوسل به إلى إنكار الفعل على أبلغ وجه، فإذا قلت: ماذا يضرك لو فعلت كذا؟ نفيت به الضرر مطلقا بنفي شىء يضر؛ لأنه لا يتصور الضرر بدون الضار، وكذا: «كيف يؤذي أباك» نفي لإيذاء الأب بنفي الكيفية مطلقا إذ لا يتصور تحقق الشىء بدون كيفية، فهو من قبيل ما يجيء من نحو أزيدا ضربت أم عمرا؟ ومما جعل لإنكار الفعل قوله: [أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي؟ ] (١) قال الشارح: فإنه ذكر مانعا من القتل، فلو كان لإنكار الفاعل وأنه ليس ممن يتصور منه القتل على ما قد سبق إلى الوهم- لما احتاج إلى ذلك. ونقول: وكذلك لو كان لإنكار المفعول وأنه ليس ممن يتصور منه قتله وفيه نظر، لجواز أن يكون لإنكار الفاعل، وأنه ليس ممن يتصور منه القتل في هذه الحالة لعدم مقاومته مع المشرفي، أو لإنكار المفعول، وأنه ليس ممن يتصور منه قتله، وهو مع المشرفي، ومنه قوله تعالى: أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً (٢) فإن المنكر هو نفس اتخاذ الآلهة، فلذا ولي الفعل الهمزة، كذا في الشرح، وفيه نظر؛ لأنه حينئذ ينبغي تقديم الآلهة؛ إذ لا ينكر نفس الاتخاذ، ولا اتخاذ الأصنام؛ لأنه لا مانع في اتخاذها خطبا! ويمكن أن يجاب بأن اتخاذ الأصنام منكرا لا لمجرد الآلهة، بل اتخاذها أنبياء، أو أعوانا أو شفعاء أيضا منكر، فالمنكر الاتخاذ المتعلق بهما، فلذا ولى الاتخاذ المقيد بهما الهمزة، فإن قلت: قد جعل صاحب المفتاح أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ (٣) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ (٤) من قبيل إنكار الحكم دون الفاعل مع أنه ولى الفاعل الهمزة، فلم يتم أن الإنكار يتعلق بما ولى الهمزة، وعلل الشارح نفي كون الإنكار للفاعل بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يعتقد اشتراكه في ذلك، ولا انفراده به، فلا يكون التقديم فيه للتخصيص، بل لتقوية الحكم المنكر، وفيه بحث؛ لأن اعتقاد الاشتراك باطل، فلا وجه لإنكار التخصيص الذي هو لرد الاشتراك، فلا وجه لذكر الاشتراك في هذا التعليل، ويمكن دفعه بأن إنكار التخصيص بإنكار فاعلية المخاطب، فليس


(١) البيت لأمرئ القيس ص ٦٢، وفي الإيضاح ص ١٦٩، ٢٠٨ وفي المصباح ص ١١٦. وفي مفتاح العلوم ص ٤٦١. وعجزه: ومسنونة زرق كأنياب أغوال.
(٢) الأنعام: ٧٤.
(٣) يونس: ٩٩.
(٤) يونس: ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>