للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنكار التخصيص مثبتا للاشتراك، وهذا كلام وقع في البين، فلنرجع إلى ما كنا فيه، قلت: إذا كان التقديم لتقوية الحكم لا للتخصيص كان ما يلي الهمزة الحكم كله لا الفاعل، والعلاقة بين الاستفهام والإنكار بمعنى نفي اللياقة أن ما لا ينبغي مما لا يصدق العاقل بوقوعه في الماضي، أو المستقبل، ويشك فيه، والشك يستدعي الاستفهام، فأفيد بالاستفهام أنه مما لا ينبغي، وكذا بين الاستفهام والإنكار بمعنى التكذيب أن الكاذب، وإن ادعاه أحد لا ينبغي أن يصدق به غاية الأمر الشك فيه، فأفاد المستفهم أن غاية الأمر فيه الشك دون الدعوى، وقال السيد السند: إنكار الشىء بمعنى كراهته والنفرة عن وقوعه في أحد الأزمنة، وادعاء أنه مما لا ينبغي أن يقع، يستلزم عدم توجه الذهن إليه المستدعي للجهل به المفضي إلى الاستفهام عنه، أو يقول: الاستفهام عنه يستلزم الجهل به المستلزم لعدم توجه الذهن إليه المناسب للكراهة والنفرة عنه، وادعاء أنه مما لا ينبغي أن يكون واقعا، وقس على هذا حال الإنكار، بمعنى التكذيب هذا.

(ومنه) لم يقل نحو أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ (١) رد الوهم أنه ليس منه حيث قيل: إنه للتقرير وبين مراد القائل تقريرا للدفع (أي: الله كاف) لأن إنكار النفي نفي، ونفي النفي مستلزم للأثبت (وهذا) أي: كون التقرير مستلزما للإنكار (مراد من قال: إن الهمزة فيه للتقرير بما دخله النفي) لا للتقرير بالانتفاء، وكأنه أسقط قوله: أي: للتقرير من المتن سهوا من الناسخ، قال الشارح: ولما كان مقتضى قوله: وهو الله كاف (لا بالنفي) وهو أليس الله بكاف عبده، فإن شئت جعلت الهمزة الداخلة على النفي للتقرير، وإن شئت للإنكار، وكلاهما حسن، ولا سبيل في شىء منهما إلى الإنكار، كذا ذكره الشارح، ولا يخفى عليك أنه كما أن إنكار النفي إثبات بإنكار الإثبات نفي، فيصح أن يجعل الإنكار كله داخلا في التقرير، فلا معنى لمن جعل التقرير مقابلا للإنكار، وأن يجعل الإنكار كلها تحت التقرير، ويمكن أن يدفع بأن التقرير لا يتصور إلا في بعض صور الإنكار، وهو ما يعترف فيه المخاطب بالحق من نقيض المنكر، فيحمل على الإقرار بما يعرف وتعرف به، وأما في صورة لا يعرف بالحق


(١) الزمر: ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>