للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناسبة بين مرارة النوى وكرم أبي الحسين دليل تام على الاشتراط، وأن يمكن الجواب عنه بأن مراد أبي تمام أن مرارة النوى وكرم أبي الحسين مما لا يعلمه إلا الله كما يتبادر إليه العرف من حوالة علم الشيء إلى الله.

وفيه كمال المبالغة في عظمة الشيء بحيث لا تدركه العقول بينهما أنهما مما لا يحيط بهما علم أحد، فتأمل (وإلا) أي: وإن لم يقصد تشريك الثانية للأولى في حكم إعرابها (فصلت عنها) الأولى أن يقابل فصلت بوصلت أو عطفت بلم يعطف (نحو وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (١) لم يعطف اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ على (إنّا معكم) الأولى لم يعطف اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ على إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ لئلا يوهم أن كلامه في مجرد إنا معكم، لا في المجموع كما وهمه الشارح والسيد السند وغيرهما؛ لأنه ما حكاه الحاكي هو المجموع وقصد تعلق القول به، لا بكل من قوله: إنا معكم، وقوله:

إنما نحن مستهزئون، فلا نصيب بالقول إلا للمجموع، كما أنه لا نصيب هو إذا قيل: قلت زيد إلا لمجموع زيد، ولا نصيب بشيء من إنا معكم وإنما نحن مستهزئون في النصيب، كما لا نصيب لزاء زيد، ففي هذه الحكاية كل من إنا معكم، وإنما نحن مستهزئون جملة لا محل لها من الإعراب، ووجه الفصل عن كل منهما ليس عدم قصد التشريك في حكم الإعراب، بل إن العطف عليه عطف على ما هو كجزء كلمة، وهو بهذا الاعتبار داخل في قوله، وعلى الثاني وليس الفصل فيه بشيء، مما ضبط، بل لما ذكرنا فهو قسم منه غفلوا عنه برمتهم، فاحفظه عنه ما قرت به، ولا تتبع إهمالهم؛ فإنه ليس لهم إلا بذل ما رزقوا، والله يرزق من يشاء.

وقوله: (لأنه ليس من مقولهم) علة لمحذوف كأنه قيل: لأنه لم يقصد تشريكه لإنا معكم لأنه ليس من مقولهم.

قال الشارح: وإنما قال: على إِنَّا مَعَكُمْ دون إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ؛

لأنه بيان لإنا معكم فحكمه حكمه، وقد عرفت ما فيه، وأنكر السيد السند كونه بيانا لوضوح إنا معكم ومغايرتهما في المعنى، وجعل الحق كونه تأكيدا كون معنى


(١) البقرة: ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>