للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى المراد يوجب فوت تمام المراد.

قال الشارح: لأن الغرض من الإبدال أن يكون الكلام وافيا بتمام المراد، وهذا إنما يكون فيما يعتني بشأنه.

أقول: لا بد في كل كلام أن يكون وافيا بتمام المراد والبلاغة ينافي فوت بعض المراد، فكون المقام مقتضيا للاعتناء بشأنه لم يعتبر لإيراد ما نفي بتمام المراد، بل لإيراد ما لا يفي به من المبدل منه، فإنه مع وجود البدل يشبه أن يكون المبدل منه لاغيا مهروبا عنه للبليغ، فأشار إلى وجه إيراده بأن المقام يقتضي اعتناء بشأن تمام المراد فيذكر أولا غير الوافي لتصير النفس طالبا لتمامه متشوقا إليه؛ فيتمكن في نفس المخاطب حين ذكره في فصل تمكن.

(لنكتة) النكتة: هي المقام والعبارة تشعر بأنها غيره، فالأولى وهو أي:

المقام كونه إلى آخره وكأنه أراد بالمقام غير ما يتعارف من الحال، بل ما كان التكلم (ككونه مطلوبا في نفسه) الأولى ترك قوله في نفسه فإنه يكفي كونه مطلوبا سواء أكان مطلوبا في نفسه أو ذريعة إلى غيره، (أو فظيعا) هايلا لو ذكر أول مرة من غير سبق المبدل، ربما لا يحيط به الذهن ويذهل عن ضبطه لفظاعته، (أو عجيبا) يمنع التعجب منه حرزه في أول السماع من غير تقدمة وتوطئة (أو لطيفا) لا يتمكن في البصيرة للطافته بدون المكث في طلبه وتعقله زمانا فينزل الثانية من الأولى منزلة بدل البعض أو الاشتمال، ويسمى في هذا الفن بدلا، وبيان المصنف ناظر إلى أنه لم يعتبر بدل الكل، وكلام «المفتاح» ساكت عنه.

ومن أمثلة «المفتاح» للبدل قوله تعالى: بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١) قال: فصل قالُوا أَإِذا مِتْنا (عن) قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ؛ لقصد البدل. ومنها قوله تعالى اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢) قال: لم يعطف اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ للبدل.

وجزم الشارح المحقق والسيد السند في شرح «المفتاح» أن المثال الثاني بدل


(١) المؤمنون: ٨١، ٨٢.
(٢) يس: ٢٠، ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>