وهذه الفائدة أقوى مما ذكره السيد السند من أن فيما ذكره القوم تنبيها على أن علم البيان ينبغي أن يتأخر عن علم المعاني في الاستعمال، والسبب في ذلك أن رعاية مراتب الدلالة في الوضوح والخفاء على معنى ينبغي أن يكون بعد رعاية مطابقته لمقتضى الحال، فإن هذه كالأصل في المقصودية، وتلك فرع وتتمة لها فالأولى أن يراعى المطابقة أولا ثم وضوح الدلالة ثانيا، وإن لم يكن هذا الأمر لازما هذا، ولا يخفى أنه يعلم منه وجه تقديم علم المعاني على علم البيان.
قال الشارح: وبالتفسير المذكور للمعنى الواحد يخرج ملكة الاقتدار على التعبير عن معنى الأسد بعبارات مختلفة كالأسد والغضنفر والليث والحارث، على أن الاختلاف في الوضوح مما يأباه القوم في الدلالات الوضعية. هذا كلامه، وفيه أن تلك الملكة يخرج بالتفسير المذكور سواء كان بالإباء المذكور أو لا؛ لأن المعنى الواحد متقدم في التعريف على الاختلاف في الوضوح، والأولى أن يقال يخرج به ملكة الاقتدار عن معنى الشجاع بألفاظ مختلفة في الوضوح فإنه لا مخرج له عن التعريف سواء (بطرق) أي: في طرق، وأراد بالطرق التراكيب تشبيها للتراكيب بالطرق في أن المعنى يسلكها فيصل إلى فهم المخاطب أو في أن السامع يسلكها فيصل إلى المعنى، والأول أنسب بسوق التعريف إلا أن سلوك المعنى فسر به كما يفيده الإيراد، وقد سلك في التعبير بالمعنى الواحد عما قصد به، وهو من قبيل ذكر العام وإرادة الخاص بقرينة دقيقة، وفي التعبير عن التراكيب بالطرق بطريق الاستعارة، وفي التعبير عن الدلالة العقلية بمطلق الدلالة في وجه كما سيظهر عليك إن شاء الله تعالى سلوك طريق البيان من اعتبارات الدلالات المجازية، وإن كان الأنسب بصناعة التعريف خلاف رعاية لبراعة الاستهلال، وتأنيثا للدخيل في الفن قبل الاستهلال.
ويستفاد منه أنه لا بد في البيان من أن يكون بالنسبة إلى كل معنى طرق ثلاثة على ما هو أدنى الجمع، ولا بعد فيه؛ لأن المعنى الواحد الذي نحن فيه له مسند ومسند إليه، ونسبة لكل منها، وألا يجرى فيه المجاز سيما باعتبار معنى الالتزامي معتبر في هذا الفن، فيحصل للمركب طرق ثلاثة لا محالة، ولا يشكل عليك أنه وإن يتحقق الطرق الثلاثة بهذا الاعتبار، وأريد كيف تجزم بتحقق الاختلاف في