وقد جرى المصنف في هذا البيان على ما عليه المحققون، ورجحه الشيخ في أسرار البلاغة من أن نحو: زيد أسد، وأسد بحذف زيد، وتقديره لقرينة وأمثاله مما نسب فيه المشبه به إلى المشبه، أو أضيف إليه نحو: لجين الماء تشبيه لا استعارة كما ذهب إليه البعض، وهذا نزاع لفظي مبني على جعل الاستعارة اسما لذكر المشبه به، مع خلو الكلام عن المشبه على وجه ينبئ عن التشبيه أو اسم لذكر المشبه به لإجرائه على المشبه مع حذف كلمة التشبيه، على ما ذكره الشارح.
والأوجه أنه مبني على أنه هل يكفي في الاستعارة دعوى أن المشبه من جنس المشبه به ومن أفراده، أو هي عبارة عن كون دعوى أنه من جنسه مفروغا عنها مسلمة، والتعبير عنه باسم المشبه به، فعلى الأول أمثال زيد أسد، استعارة، وعلى الثاني تشبيه؛ لظهور قصد التشبيه فيها بأدنى تأمل؛ لأن الدعوى تشعر بالمبالغة في التشبيه، لظهور كذب الحقيقة، فيصار إليها، بخلاف صورة التغيير فإنه يحتاج الانتقال عنها إلى قصد التشبيه إلى مزيد تأمل؛ لأن الدعوى التي ينتقل منها إلى التشبيه غير مقصودة، بل أمر مفروغ عنه، فيحتاج الانتقال عنها إلى تدقيق النظر وإحضارها، ثم إنه نقل عن أسرار البلاغة أن إطلاق الاستعارة في: زيد الأسد، لا يحسن؛ لأنه يخص به دخول أدوات التشبيه من غير تغيير لصورة الكلام، فيقال: زيد كالأسد، بخلاف ما إذا كان المشبه به نكرة، نحو زيد أسد، فإنه لا يحسن زيد كأسد، وإلا لكان من قبيل قياس حال زيد إلى المجهول، وهو أسد ما إذ المراد بأسد فرد ما؛ ولهذا يحسن: كأن زيدا أسد: لأن المراد بالخبر المفهوم، فالتشبيه بالنوع لا بفرد ما فليس كالتشبيه بالمجهول، وإنما يحسن دخول الكاف بتغيير صورته، ونقل النكرة إلى المعرفة بأن تقول: زيد كالأسد، فإطلاق اسم الاستعارة هاهنا لا يبعد ويقرب الإطلاق مزيد قرب بأن يكون النكرة موصوفة بصفة لا يلائم المشبه به نحو: فلان بدر يسكن الأرض، وشمس لا تغيب، فإن التقدير أداة التشبيه فيه مزيد غموض، ويحتاج إلى كثرة التغيير كأن يقول: هو كالبدر إلا أنه يسكن الأرض، وكالشمس إلا أنه لا تغيب.