للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يكون في الصفات والصلات التي نجري في هذا القبيل ما تحول تقدير أداة التشبيه فيه فيشتد استحقاقه لاسم الاستعارة، ويزيد قربه منها كقوله:

أسد دم الأسد الهزبر خضابه ... موت فريص الموت منه يرعد (١)

فإنه لا سبيل إلى أن يقال المعنى أنه كالأسد، وكالموت؛ لما في ذلك من التناقض؛ لأن تشبيهه بجنس السبع المعروف دليل على أنه دونه أو مثله، وجعل دم الهزبر الذي هو أقوى الجنس خضاب يده دليل على أنه فوقه، وكذا في الموت، وأيضا يلزم أن يثبت للأسد المعروف ما ليس له فظهر أنه إنما أريد أن يثبت من الممدوح أسد له هذه الصفة العجيبة التي لم تعرف للأسد، فهو مبني على تخييل أنه زاد في جنس البدر واحد له تلك الصفة، فليس الكلام موضوعا لإثبات التشبيه بينهما، بل لإثبات تلك الصفة، فالكلام فيه مبني على أن كون الممدوح أسدا أمر يقرر ويثبت، وإنما العمل في إثبات الصفة الغريبة فمحصول هذا النوع من الكلام أنك تدعي حدوث شيء هو من الجنس المذكور، إلا أنه اختص بصفة عجيبة لم يتوهم جوازها، فلم يكن لتقدير التشبيه فيه معنى.

هذا، وفيه نظر من وجوه:

أما أولا: فلأن المقصود من زيد أسد المبالغة في تشبيه زيد بهذا الجنس بادعاء أنه فرد منه، فلا يستدعي جعله تشبيها حسن تقدير أداة التشبيه أو إمكانه، بل يكفي فيه الانتقال منه إلى المبالغة في التشبيه والقصد إليه.

وأما ثانيا: فلأن نحو: فلان بدر يسكن الأرض، يحسن فيه دخول الكاف من غير كثرة تغيير الصورة كأن يقال فلان مثل البدر يسكن الأرض فيجعل يسكن الأرض صفة مثل المضاف إلى البدر، وجعله وصفا للبدر حين حذفه؛ لكون البدر قائما مقامه.

وأما ثالثا: فلأن نحو [أسد دم الأسد الهزبر خضابه] ليس المقصود منه ادعاء


(١) البيت للمتنبي في ديوانه: ١/ ٩٢ من قصيدة في مدح شجاع بن محمد الطائي المنيحي، ومطلعها: -
اليوم عهدكم فأين الموعد؟ ... هيهات ليس اليوم عهدكم غد
الموت أقرب مخلب من بينكم ... والعيش أبعد منكم لا تبعدوا
والبيت في الإيضاح: ٢٥٧. الهزبر: الشديد البأس، الفريص: جمع فريصة، وهي لحمة في الكتف ترتجف عند الخوف، أسد: خبر لمحذوف أي هو أسد، دم مبتدأ خبره خضابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>