أحدهما: أن يجعل الأسد مستعارا لمفهوم الرجل الشجاع.
وثانيهما: أن يستعمله فيما وضع له الأسد، ويجعل مفهوم الأسد آلة لملاحظة الرجل الشجاع، ويعتبر تجوزا عقليا في التركيب التقييدي الحاصل من جعل مفهوم الأسد عنوانا للرجل الشجاع؛ فيكون التركيب بين الرجل الشجاع ومفهوم الأسد مبنيا على التجوز العقلي، وإن كان تقييديا، فلا يكون هناك مجاز لغوي.
ألا ترى أنه لا يجوز لغة في قولنا: لي نهار صائم؟ فقد حق القول بأن المجاز عقلي، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ولما أراد الاستدلال أشار إلى وجه التعجب؛ والنهي عنه بحيث لا يقتضي إرادة المعنى الحقيقي، فقال:(وأما التعجب والنهي عنه فللبناء على تناسي التشبيه قضاء لحق المبالغة) ودلالة على أن المشبه بحيث لا يتميز عن المشبه به أصلا حتى إن كل ما يترتب على المشبه به يترتب عليه.
ولا يخفى أن الكلام قد تم بدونه، إذ التعجب والنهي عنه لم يجعلا دليلين على كونها مستعملة فيما وضعت له، بل استدل بهما على الادعاء، فلما سلم الادعاء، ومنع اقتضاءه كون الاستعارة مستعملة في معناها الحقيقي فلا حاجة إلى المنازعة في كون التعجب والنهي مبنيين على الادعاء، فليكونا مبنيين عليه؛ إذ لا ينافي المجاز اللغوي.
ولما كان في الاستعارة توهم كذب، وذلك يوجب أن لا يقع في القرآن وكلام الرسول، أشار إلى أنها تفارقه فقال:
(والاستعارة) أي: الذي يتضمنه الاستعارة من دعوى دخول المشبه في جنس المشبه به (تفارق الكذب)، ولا تلتبس به لوجهين:
(بالبناء) أي: بسبب بناء الاستعارة، أي: ما تتضمنه (على التأويل) والصرف عن الظاهر الذي هو إفادة تلك الدعوى، واعتقاده إلى جعل أفراد الأسد متعارفا وغير متعارف من غير اعتقاد، بل بمجرد إبراز في هذه الصورة ليتوسل به إلى المبالغة في التشبيه، ولا كذب مع عدم الاعتقاد هو الكذب.
(ونصب القرينة على إرادة خلاف الظاهر)، إذ لا يجامع الكذب نصب القرينة كما لا يجامع التأويل المذكور، فقد افترقت عن الكذب بالوجهين، ولك