للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تريد أن الكلام الذي فيه الاستعارة يفارق الكذب، إذ جاءني أسد يشتبه بالكذب، لولا شيء من هذين الوجهين هذا كله إذا أريد بالمفارقة نفي الاشتباه.

أما لو أريد نفي لزوم الكذب فلا حاجة إلى شيء من هذين التأويلين، لكن المراد بالمفارقة عن الكذب المفارقة في الجملة، إذ ربما كان ما قصد من المبالغة في شأن المشبه كاذبا غير مطابق.

ولقد حرر في هذا المقام كلام «المفتاح» (١) أحسن تحرير، وعدل عنه بألطف تغيير لما فيه من التطويل والخفاء؛ لأنه قال: والاستعارة لبناء الدعوى فيها على التأويل تفارق الدعوى الباطلة، فإن صاحبها يتبرأ عن التأويل، وتفارق الكذب بنصب القرينة المانعة عن إجراء الكلام على ظاهره، فإن الكذب لا ينصب دليلا على خلاف زعمه، وأنى ينصب وهو لترويج ما يقول راكب كل صعب وذلول؟ !

هذا ولما كان الباطل والكذب واحدا؛ إما مطلقا أو بالذات عند من فرق بينهما باعتبار مخالفة الواقع للقول في الباطل، ومخالفة القول للواقع في الكذب- كان الفرق بين الاستعارة والكذب مغنيا عن ذكر الباطل- فاكتفي لذلك بذكر الكذب، وصفى كلامه عن شوب التخصيص بلا مخصص؛ حيث لزم «المفتاح» من تخصيص التأويل بمفارقة الباطل، ونصب القرينة بمفارقة الكذب، وأغنى لمشتغل بكلامه عن مؤنة حمل الباطل على باطل غير معلوم البطلان عند متكلمه، وحمل الكذب على ما علم كذبه.

وتوجيه التخصيص ب «أن» للإشارة إلى أن الباطل الذي لم يعلم بطلانه في غاية البعد عن قصد تأويله فضلا عن نصب القرينة بخلاف الكذب فإنه لا ينافي قصد التأويل وأن لا يقع قط، وإنما ينافي نصب القرينة؛ إذ لا يخفى أنه في غاية الخفاء والإغلاق على أن ما هو المقصود لا يستدعيه، ولا التخصيص لوجه آخر مما يمكن أن يقال وهو أقرب من هذا المقال، لكن صرفنا عن بيانه لك خوف الملال.

(ولا تكون علما) قال الشارح في شرح «المفتاح»: لا يخفى أن المراد غير علم الجنس فإنه المتبادر من إطلاق العلم هذا، ولا يبعد أن يجعل علم الجنس علما


(١) المفتاح ص ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>