للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني: ضرك أكثر من برّك، ويحتمل شكاية لسان الحال عن الناطق بشكر البر، حيث يعجز عن أداء حقه، ففيه التوجيه، فافهم؛ فإنه البديع التنبيه، ولا يذهب عليك أن البيت إنما يكون من باب الاستعارة بالكناية، لو لم يكن لسان حالي من قبيل لجين الماء، وأن الظاهر أنه لا فرق بينه وبين قول الهذلي، فإنه شبه فيه الحال بالإنسان في الدلالة على المقصود، وليس قوام دلالة الإنسان باللسان، بل له أسباب أخر من الإشارة والكناية، إلا أن كمالها به إلا أن المصنف تكلف وقال: (شبه الحال بإنسان متكلم في الدلالة على المقصود، فأثبت لها اللسان الذي به قوامها فيه) (١) وما به قوام دلالة الإنسان المتكلم هو اللسان، ولا يخفى أنه لو اعتبر تشبيه المنية بسبع مغتال بالأظفار كان قوام وجه الشبه بالأظفار، إلا أنه تكلف.

ومن غرائب السوانح وعجائب اللوائح: أن الاستعارة بالكناية فيما بين الاستعارات استعارة مقلوبة، مبنية على التشبيه المقلوب، لكمال المبالغة في التشبيه، فهي أبلغ من المصرحة، فكما قولنا: أن السبع كالمنية، تشبيه مقلوب يعود الغرض منه إلى المشبه به، كذلك أنشبت المنية أظفارها استعارة مقلوبة استعير بعد تشبيه السبع بالمنية المنية للسبع الادعائي، وأريد بالمنية معناها بعد جعلها سبعا تنبيها، على أن المنية بلغت في الاغتيال مرتبة ينبغي أن يستعير السبع عنها اسمها دون العكس. فالمنية وضعت موضع السبع، لكن هذا على ما جرى عليه السكاكي.

(وكذا قول زهير) حيث أثبت فيه للمشبه ما به قوام وجه الشبه، فذا إشارة إلى قول الآخر: [(صحا) أي: ذهب سكر هوى (القلب) معرضا (عن سلمى) ففيه استعارة بالكناية، وتخييل؛ حيث شبه القلب بسكران، وأثبت له الصحو أو ترك القلب الصّبى، والميل إلى الجهل معرضا عنها.

في القاموس: صحا: ذهب السكر وترك الصّبى.

وفي الشرح أي: سلا مجازا عن الصحو، والسلو: الخروج من الحب (وأقصر باطله) أي: انتهى باطله من لوازم حب سلمى، يقال: اقصر وقصر


(١) يجوز أن يكون قوله- لسان حالي- من إضافة المشبه به إلى المشبه فيكون تشبيها لا استعارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>