للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقاصر. انتهى.

وحينئذ لا حذف في الكلام، المعنى ظاهر، ويقال: أقصر عنه أي: عجر فالتقدير: أقصر عنه باطله، فحينئذ لا محالة في كلام قلب؛ لأن العاجز هو القلب لا الباطل؛ إذ لا ينسب العجز إلا إلى ما من شأنه الاختيار.

وفي كلام المتن حيث قال: إنه ترك ما كان يرتكبه، إشعار بذلك، ومن لا يتفطن بهذا يكاد يقول قوله: إنه ترك ما كان يرتكب في تقدير تركه ما كان يرتكبه، «وما كان يرتكبه» فاعل «ترك» ومفعوله العائد إلى القلب محذوفا.

وقال الشارح: يقال: أقصر عن الشيء إذا أقلع عنه أي: تركه وامتنع عنه.

قيل: هو على القلب، أي قصر القلب عن باطله، ولا حاجة إليه لصحة أن يقال: امتنع عنه باطله وتركه بحاله؛ هذا كلامه.

ولا يخفى عليك أن الترك لا ينسب إلى ما يرتكبه المرتكب بالنسبة إليه، بل إلى المرتكب بالنسبة إلى ما يرتكب، فلا تتجاوز عن تحقيق من له القلب (وعرّى أفراس الصّبا ورواحله)] (١) من عرّيته تعرية جعلته عريانا، هذا هو المقصود بالتمثيل.

ومثال ثالث للاستعارة بالكناية والتخييل دائر بينها وبين الاستعارة التحقيقية، وهذا في كلام السكاكي قسم ثالث من الاستعارة، فإنه جعل الاستعارة تحقيقية وتخييلية ومحتملة لهما، والمصنف لم يتلفت إلى هذا القسم في مقام التقسيم؛ لأن المحتمل لهما لا يخرج عنهما، وأشار إليه في تحقيق مثال الاستعارة بالكناية، وفي هذه الاستعارة فائدة جليلة، رزقناها ولله الحمد الأعلى على منه، وهي:

أنه لا يعاب على البليغ عدم التنصيص على مقصوده فيما زاد على أصل المقصود بعد وضوحه، ولا ضنّة معه في تجويز إيراد كلامه محتملا لطرق متعددة ليسلك المخاطب أيها شاء، بل إيراده كذلك مما يزيد في قدره، ويدل على طول باعه، وانشراح صدره، ويزيد في نشاط المخاطب؛ حيث نزّله ذلك المتكلم منزلة نفسه في معرفة طرق البيان، والتنبيه للمقصود بوجوه لمجرد إشارة البيان، ولم يأت به في أمثلة التحقيقية؛ لأن تحقيقه هذا يتوقف على معرفة الاستعارة التخييلية


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>