للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو هذا المعنى مع لوازمه، فإذا قلنا: رأيت أسدا يفترس أقرانه، ورأيت بحرا يتلاطم أمواجه، فالمشبه به هو الأسد الموصوف بالافتراس الحقيقي، والبحر الموصوف بالتلاطم الحقيقي، بخلاف أظفار المنية فإنها مجاز عن الصورة الوهمية؛ لتصح إضافتها إلى المنية.

هذا ومخلصه أن حفظ ظاهر إثبات لوازم المشبه به للمشبه يدعو إلى جعل الدالّ على اللازم استعارة؛ لما يصح إثباته للمشبه، ولا يحتاج إلى تجوز في ذلك الإثبات، وليس هذا الداعي في الترشيح؛ لأنه أثبته للمشبه به، فلا وجه لجعله مجازا ثم أورد على نفسه أنه يلزم حينئذ أن لا يكون الترشيح خارجا عن الاستعارة زائدا عليها.

وأجاب عنه بأنه فرّق بين المقيد المجموع والمشبه به هو الموصوف، والصفة خارجة عنه، لا المجموع المركب منهما، وأيضا معنى زيادة أن الاستعارة تامة بدونه، وأورد عليه السيد السند بأن هذا الفرق لا ينفع: لأن المشبه به إذا كان هو المقيد لوصف كان ذلك الوصف من تتمته، ولا يتم ذلك التشبيه إلا بملاحظته، فلا يكون ذكر الوصف تقويته، وتربية للمبالغة المستفادة من التشبيه، ولا مبنيا على تناسيه فلا يكون ترشيحا أصلا، وأيضا إذا كان المشبه به هو المقيد به من حيث هو مقيد، فلا بد أن يستعار منه ما يدل عليه من حيث هو كذلك.

فلا تتم تلك الاستعارة بدون ذلك القيد.

هذا وأيضا يرد على الشارح أن مثل

لدى أسد شاكي السّلاح مقذّف ... له لبد أظفاره لم تقلّم (١)

لا شك أن شاكي السلاح فيه أثبت للمشبه لا للمشبه به، وليس من تتمة المشبه به؛ فيكون قوله: مقذف، وقوله: له لبد، كقوله: شاكي السلاح مثبتين للمشبه لا للمشبه به، فلا بد من تجوز في الإثبات أو في المثبت، وأن الترشيح كما يكون في الاستعارة المصرحة، يكون في المكنى عنها، وهو في الاستعارة بالكناية لم يقرن المشبه به. ويمكن أن يفرق بين التخييلية والترشيح بأن


(١) البيت لزهير في ديوانه ص ٢٣، من معلقته المشهورة التى يمدح فيها الحارث بن عوف، وهرم بن سنان، وانظر الإيضاح ص ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>