كل مرتبة واضحا أولا يكون كذلك، وكأنه لم يعتبر؛ لأن الكناية مع الواسطة خفاء لا محالة.
(كقولهم كناية عن الأبله عريض القفاء) فإن عرض القفاء، وعظم الرأس بالإفراط مما يستدل به على بلاهة الرجل، وهو ملزوم لها بحسب الاعتقاد بلا واسطة، لكن هذا الاعتقاد ليس مشتركا بين الناس، بل يختص به واحد دون واحد، فلا ينتقل إليه إلا بعد تأمل.
وجعل صاحب المفتاح قولهم: عريض الوسادة، كناية قريبة خفية عن هذه الكناية، أعني: قولهم عريض القفاء.
قال المصنف: وفيه نظر، ووجه النظر يحتمل أن يكون ما ذكره الشارح من أنه كناية بعيدة عن الأبله؛ لأنه ينتقل منه إلى عريض القفاء، ومنه إلى الأبله، وحينئذ يندفع بما ذكره في جوابه من أنه لا امتناع من أن تكون الكناية بعيدة بالنسبة إلى المطلوب، وقريبة بالنسبة إلى الواسطة، بل الأمر كذلك فيما يكون الانتقال منه إلى المطلوب بواسطة، فنبه صاحب المفتاح على أن المطلوب بالكناية قد يكون الواسطة إذا كانت في إفادة المطلوب وظهور المطلوب منه كأنه المطلوب نفسه، وقد يكون المطلوب، فلا ينتهي القصد من العبارة إلى الواسطة، بل يذهب إلى المطلوب، لكن كون وجه النظر ما ذكره احتمال ضعيف؛ لأنه بعد ما قال السكاكي كناية قريبة عن هذه الكناية لا يتوجه عليه أنها بعيدة؛ لأن الانتقال منها إلى الأبله بالواسطة، فكيف يظن بالمصنف مثل هذه الغفلة.
ويحتمل أن يكون أن الكناية عن الكناية إنما تكون إذا كانت الكناية المكنية مشتهرة، ربما التحقت بالصريح فإنه لا يكنى بكثير الرماد عن كثرة إحراق الحطب تحت القدر، فإنها ليست كالصريح في المضياف، وليس عريض القفاء كالصريح، وإلا لم تكن من الكناية الخفية كما اعترف به السكاكي.
ولا يخفى لطف هذا النظر ودقته، والجواب عنه أن الكناية الخفية ما كان الانتقال فيها محتاجا إلى تأمل قبل الاشتهار، وعريض القفاء لاشتهاره في الكناية عن البلاهة التحقق بالصريح، فيحسن أن يكنى عنه بعريض الوسادة، ويحتمل أن يكون منعا لكون قولهم عريض الوسادة كناية عن الكناية، فإنهم يقصدون به