تتنوع المجتمعات المعاصرة بين مجتمع محافظ على عقيدته وعبادته بالجملة، وقيام الشعائر الإسلامية فيه ما أمكن، وبين مجتمعات جاهلية: جاهلية كبرى (عقدية)، إلى جاهلية صغرى (عملية)، ومجتمعات دعوية، إلى مجتمعات مسلمة، فيها تقصير وجهل وذنب، إلى مجتمعات مختلطة فيها ما هبَّ ودبَّ. (١)
واعلم أن معظم المجتمعات المعاصرة هي مجتمعات دعوية.
والمجتمعات الدعوية: هي المجتمعات التي تسمح للدعاة بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وأما المجتمعات التي لا تسمح بالدعوة إلى الله، أو تسمح بجزء من الدعوة، فلا يباح فيها -لمجرد عدم السماح- المواجهة، بل لابد للمسلمين من الصبر على الدعوة وتحمل الأذى، قال تعالى:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}[غافر: ٥٥].
ومقولة "إلى متى نربي" استنكاراً لمنهج التربية، ومقولة "نحن نربي وهم يهدمون" تهويلاً لما يفعلون، ومقولة "لا يسمحون بالتربية، ولذا لابد من المواجهة" استعجالاً في المواجهة، كل هذه المقولات، هي مقولات ارتجالية عاطفية، لا دليل عليها من الكتاب والسنة أو فعل السلف، وهي مقولات تتضمن الإعراض عن منهج الأنبياء، وقد دعا نوح - صلى الله عليه وسلم - تسعمائة وخمسين سنة، ودعا من بعده الأنبياء، مدداً طويلة، ولم يقل أحد منهم: إلى متى نربي؟ إلى متى ندعو؟ ولم يتفوهوا بتلك المقولات، ولم يغيروا طريق دعوتهم، وطريق الدعوة إلى الله شيء، والجهاد شيء آخر، فلا تخلطن.
(١) وقد توسعنا في هذا التقسيم وأحكامه في محاضرات منشورة، وسنحاول إخراجه في كتيب يسر الله إنجازه ونشره.