للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المداهنة، المداراة، التقية]

المداهنة: الموافقة على باطل وتأييده، أو المشاركة فيه مصانعة لأهله، أو ترك إظهار الحق وخذلانه، مع القدرة على الإنكار، طمعاً في مصلحة غير شرعية، من دنيا أو مال، وقيل: أن يظهر المرء ما لا يبطن مسايرة للباطل وأهله.

ومن صورها: المجيء إلى هؤلاء بوجه، وإلى هؤلاء بوجه، أو ما يسميه بعضهم "التلوّن".

كل ذلك مما حرمته الشريعة، وشنعت على فاعله، وجعلته كبيرة من الكبائر.

قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: (٩)].

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه)) [رواه البخاري: (٥٧١١) ومسلم: (٢٥٢٦) وأحمد (٢/ ٣٩٨) عن أبي هريرة]. وهذا يخص من يفعل ذلك لأجل الإفساد.

المداراة: هي التلطف والرفق بالمخطئ، وعدم مصارحته بحقيقته، أو تأخير بيان الحق دفعاً لمفسدة أكبر، أو السكوت عن منكر اتقاء شر أكبر، أو طلباً لمصلحة شرعية أعظم، أو بغية انتظار فرصة إصلاح أفضل، دون أن يتضمن هذا السكوت تأييداً لباطل، أو إبطالاً لحق، مع إنكار القلب في هذا كله، وعزمه على الإنكار باللسان واليد حين الاستطاعة.

وهذا مما أباحه الإسلام، ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((بئس أخو العشيرة)) [رواه البخاري: (٥٦٨٥) ومسلم: (٢٥٩١) وأبو داود: (٤٧٩٢) عن عائشة رضي الله عنها]. وقول أبي الدرداء - رضي الله عنه -: ((إنا لنكشر (١) في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم)) [أخرجه البخاري معلقاً وغيره موصولاً]. (٢)

التقية: النطق بغير الحق، مع اطمئنان القلب به، وكراهة فعله، وعزمه على التصريح به حين ذهاب السبب، ويفعل هذا مع الكافرين أو الظالمين مؤقتاً، كرهاً، أو خوفاً من ضرر كبير يقع عليه في دينه، وحياته، أو دفعاً لمفسدة عظيمة تقع على غيره، ولا يمكنه تفادي


(١) كشر: ظهرت أسنانه للضحك، ولعله ضحك بالوجه والأسنان دون القلب.
(٢) انظر ((فتح الباري)) للحافظ العسقلاني كتاب الأدب الباب (٨٢).

<<  <   >  >>