التجسس على المسلمين لأعدائهم من كبائر الذنوب، وعظائم الجرائم، وقد يكون نفاقاً أكبر، وكفراً أعظم؛ لما يترتب عليه من أذى كبير، وفساد عريض، وقد نزل قوله تعالى في حاطب ابن أبي بلتعة - رضي الله عنه - إذ تجسس على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه:
وقال تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: (٥١)]. ومن أعظم أمور الموالاة، التجسس لهم.
ولقد كثر في زماننا بيع الضمائر، وتجارة الدين، وأذية العباد، بالوشاية والفتن، وباع كثير ممن ينتسب إلى الدعوة أذيتهم بمخالفيهم بدراهم معدودات، ودنيا فانية، ومنهم من يفعل هذا تديناً، وهو يظن أنه يحسن صنعاً، نعوذ بالله من ذلك.
كما كثر في زماننا اتهام الناس بذلك، فترى كثيراً ممن يريد الانتقام لنفسه، أو لحزبه، يتهم خصمه بالتجسس، حقداً وحسداً، بغياً وظلماً، من غير دليل مبين، سوى قيل وقال، وقرائن باردة، (ما فعل هذا إلا لأنه ... )(ورأيناه يفعل كذا ... و ... ) مما يتأثر به العاطفيون المتعجلون، الذين لا يتثبتون، وهذا مما لا يقيم له الشرع وزناً، ولا يعتبره دليلاً، بل اتهاماً وظلماً، فنعوذ بالله من هذا، فإثمه عظيم، وشره في المجتمع عريض، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: (٥٨)]. فلعنة الله على من يتهم الأبرياء به، منتصراً لنفسه، أو لحزبه.
ونعوذ بالله من هذا، ونبرأ إلى الله منه، مع أي جهة كانت، ونعوذ بالله من شره، وشر من يفعله، متأولاً أو متشفياً أو مفسداً.
وأما التحسّس من السلطان لمعرفة أحوال المسلمين، وتفقدها لرعايتها وإصلاحها، ودفع الفتن عنهم. فهو شيء آخر.