حسنات ترجح على سيئاته، فليس كل مخطئ ولا مبتدع ولا جاهل ولا ضال، يكون كافراً؛ بل ولا فاسقاً، بل ولا عاصياً" [الفتاوى (١٢/ ١٨٠)].
وليس في هذا تهوين من شأن العقيدة، وإنما فيه تعظيم لشأن علماء السنة المجتهدين، وحماية جنابهم من أن تطولهم ألسنة الحدثاء، إذا ما سمعوا اختلافاً بين علماء السنة في العقيدة، والله المستعان على هذه الفتن.
هل يجوز أن يلزم أحد أحداً باجتهاد أو رأي؟
لا يجوز أن يلزم أحدٌ أحداً برأيه أو اجتهاده، أو اجتهاد غيره، مهما كان المجتهد أو المجتهدون على علم أو منزلة أو عدد، وسواءً كان هذا الخلاف في العقيدة، أو المنهج، أو العبادات، أو المعاملات، أو الاختلاف في الأعيان.
ولا يجوز إلزامٌ إلا بآية قطعية الدلالة، أو حديث واضح الدلالة، وصحيح الثبوت، أو إجماع متيقن، أو ما اشتهر من مذهب السلف واستقر عليه الأمر، وماعدا ذلك فلكل اجتهاده، في إطار النصوص، والاجتهاد المعتبر، ومن ألزم بغير ما ذُكِرَ فقد جهل وتعصب.
وربما يدفع بعضَهم الجهلُ والتعصبُ إلى إلزام إخوانهم آراءهَمُ، أو اجتهاداتِ من يقلدونهم، فمن التزم بأقوالهم فهو المهتدي عندهم، ومن لم يلتزم كان -عندهم- ضالاً مبتدعاً، يجب مفارقته، ومفارقة من لا يفارقه، والتبرؤ منه، وممن لا يتبرأ منه، فشقُّوا بذلك الصف، وأحدثوا الفتن، ولا يفعل هذا من كان عنده علم أو دين أو عقل، والله المستعان.
هذا وقد حصل اختلاف شديد بين علماء الأمة في كثير من المجالات، حتى وصل إلى تكفير من ترك بعض الأعمال، كما اختلفوا في تكفير أعيان وجماعات.
فكفَّر طائفة من السلف تارك الصلاة، وكفر طائفة منهم الخوارج، وكفر طائفة منهم من قال بخلق القرآن، ومع هذا الاختلاف الشديد، لم يلزم أحدٌ أحداً برأيه، ولا ضلله لمخالفته، ولا فارقه لإصراره على رأيه، ولا يعرف هذا سلفنا الصالح، وأهل العلم، وأهل الصلاح، وإنما