طرف يسكت عن الحكام وما يفسدون، فلا ينصح جهراً ولا سراً، بل يداهن ويمدح بغير حق، فهذا شيطان أخرس تارة، وشيطان ناطق تارة أخرى.
وطرف: لا يدرك المصالح والمفاسد، فيُظهر عوراتهم الشخصية، ويفضح ذنوبهم، أمام من لا يقدر أن يفعل شيئاً، وهذا لا هو للحكام بيّن ونصح، ولا هو للناس علّم ونفع، بل أثار بذلك الفتن، وأذكى بينهما الضغائن، غير مدرك لما يحصل بعد ذلك من الفساد والمحن.
والوسط العدل: وجوب نصحهم سراً، وجوازه جهراً، إذا لم يترتب على ذلك مفسدة أعظم من مفسدة المنكر، ويجب أن يكون هذا النصح بالحكمة والرفق، وفي الوقت المناسب، ولا يخرج النصح مخرج الفضح لهم، والاستهزاء بهم، ولو أدى ذلك إلى أذيته، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه فقتله)) [الحاكم (٣ - ١٩٥) وغيره عن جابر، وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة رقم (٣٧٤)].
[وجوب إنكار المنكر ولو لم يرض الحاكم]
واعلم -رحمني الله وإياك- أن ما ذكر سابقاً لا يمنع العلماء والدعاة من تحذير المسلمين مما يكاد بهم، وتنبهيهم لما يحيق بهم من المخاطر والشرور، ولا يمنعهم كذلك من إنكار المنكر المنتشر بين الناس، بسكوت الحاكم عليه أو غيره، بل إنكاره واجب، سواء رضي الحاكم أم لم يرض، وهذا شيء، ونشر سيئاته الخاصة به، والتحريض عليه، بغير حق شيء آخر؛ وذلك لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ... )) [رواه مسلم (٩) عن طارق بن شهاب].
وتحصل المصالح كلها -في هذا الباب وفي غيره- بالتزام حدود الله، ومنهج السلف من الطرفين، وتحصل المفاسد كلها -في هذا الباب وفي غيره- بمخالفة شرع الله، ومنهج السلف من أحدهما أوكليهما، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتُصلّون عليهم ويصلّون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم!