اقتضت لغة التخاطب بين الناس تباين تعابيرهم، واختلاف تراكيبهم، وتنوع أساليبهم، ولذلك كان في الكلام عموم وخصوص، وإطلاق وتقييد، وإجمال وتفصيل، وذلك حسب مقصودهم، وقوة عوارضهم، واختلاف مقامهم، وقديماً قيل:"لكل مقام مقال".
ويتأثر المقال بأسلوب القائل، ووضع المستمع، وحال الحدث، وما كان من سياق وسباق في الحديث، فقد يتكلم متكلم بعموم سبقه في أذهان الناس خصوص، أو إجمال سبقه في فهم المخاطبين تفصيل، أو بإطلاق سبقه في حديث آخر تقييد، أو يخاطبهم بأسلوب معين متعارف عليه عندهم، غير معروف عند غيرهم (١).
[لا يمكن اجتناب العموم]
واعلم -يا رعاك الله- أن العموم والإطلاق والإجمال، لا ينجو منه أحد، ولن ينجو أحد؛ لأن ذلك مقتضى اللغة، وفطرة الإنسان، وعرف الناس.
وإذا كان كلام الله المعجز في فصاحته وبيانه، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي حوى جوامع الكلم وخواتمه، لم يخل من العموم، والإطلاق، والإجمال، أفيستطيع بشر مثلنا أن يتخلى عن ذلك؟ !
والعمومات والإطلاقات في الكتاب والسنة كثيرة جداً، وكثير منها لم يُرد بها العموم والإطلاق، بل أريد منها أمرًا مفيدًا أو خاصًا، قال تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: (١٧٣)]. فهل أراد سبحانه كل الناس، وقال سبحانه:{وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب (٧٢)]. فهل أراد سبحانه كل إنسان، والأنبياء من الإنسان؟ !
(١) لكن بعض الناس يتعمد العموم كذباً وتدليساً، فيقولون: ((طعن سيد بالأنبياء)) ثم تنظر فلا ترى سوى سوء أدب ومع نبي واحد، وهكذا يفعلون وليس في هذا دفاع عن خطأ سيد، ولكن خطأ سيد لا يبيح لنا الكذب والتحامل عليه، فتصحيح الأخطاء شيء وهو واجب، والكذب والتدليس والتهويل شيء آخر وهو محرم