للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قاعدة الخلاف المعتبر: ((نصحح ولا نجرح، نبيّن ولا نضلل)) ويأتي شرحها إن شاء الله تعالى.

أما الاختلاف في التأصيل فله مقام آخر.

[الصورة الثالثة: الاختلاف في الأعيان]

اعلم -رحمك الله- أنه إذا صحت أصول المختلفين، وتوحد منهجهم، فلا يجوز -بعد ذلك- التفرق والشقاق والتحزب لأجل اختلافهم في الحكم على بعض الأعيان، ولا يجوز عقد الولاء والبراء في هذا، ولا يلزم منه تضليل المخالف ولا مفارقته؛ لأن الاختلاف في الأعيان، يدخل في باب الاختلاف المعتبر، واختلاف التمثيل، وإنما أفردته بالذكر لما حصل بسبب ذلك في زماننا من الفتن في الأعيان، وإلا فهو محل اجتهاد، ولكلٍ اجتهاده، ومن جرح لأجل هذا، وصنف فقد ضل وفرَّق، وتحزب وتنطع (١).

ومن ذلك: أن يكون اختلافهم في التجريح والتعديل متناقضاً أشد التناقض، كما اختلف سلفنا في تكفير بعض الأعيان، وفي تبديعهم وتجريحهم، فاختلفوا في الحجاج تكفيراً وزندقة، واختلفوا في الجنيد، وإبراهيم بن أدهم، وعبد القادر الجيلاني، وغير هؤلاء كثير، تبديعاً وتفسيقاً، بل اختلفوا في بعض الأعيان، هل هم صحابة أم منافقون؟ ! ومع ذلك لم يتخاصموا ولم يتفرقوا، ولم يجرح بعضهم بعضاً لذلك، ولم يُلزم أحدُهم قولَه أحداً، ولا يلزم الآخرين التبرؤ منه، ولا حجة بأحد على أحد، ولا يحتج بعالم أو علماء مهما، كانوا ماداموا مختلفين إلا أن يتفقوا، فإن سعيد بن جبير ومن معه لما كفروا الحجاج، لم يلزموا الحسن البصري وغيره التبرؤ منه، ولا نادى بين الناس أن من لم يتبرأ من الحجاج فهو مبتدع، ولا كفّر سعيد بن جبير الحسن، وليس هذا المقام مقام ولاء وبراء، كما يفعل بعض الحدثاء ومن


(١) معنى التحزب لا يقتصر على مجموعة من الناس شكلوا حزباً، بل قد يكون التحزب لشيخ، أو لرأي، أو لمسألة، أو لاختلاف في عين. وما أكثره في هذا الزمان، علق أحد الأفاضل حفظه الله على هذا قائلاً ((ما أكثر هـ في هذا الزمان، حتى عند من يدعون مهاجمة التحزب)).

<<  <   >  >>