للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الصورة الأولى: الخلاف بين أهل السنة أنفسهم]

اعلم -رحمني الله وإياك- أن أي خلاف اشتهر بين أهل السنة والجماعة ومضى دون إجماع منهم على رأي، فهو من باب الخلاف المعتبر، الذي لا يجوز التنازع فيه ولا المفارقة لأجله، ولا التحزب، ولا الإنكار.

كالاختلاف في حكم تارك الصلاة، وتارك جنس العمل، (١) وأول الخلق، وعورة وجه المرأة، وما شابه ذلك، ومن فرق لأجل هذا، أو اتهم، أو نسب أحد الفريقين المختلفين إلى فرق الضلال، فقد أبعد النجعة وظلم، كمن يقول: من لم يكفر تارك الصلاة فهو مرجئي، أو من كفر تارك الصلاة فهو خارجي.

[الصورة الثانية: التأصيل والتمثيل]

إذا اتفق المجتهدون أو المسلمون في الأصول والقواعد، ثم اختلفوا في تطبيقها، أو إنزالها على الصور، أو ما يسمى التمثيل، أو الفروع، فلا يضرهم ذلك شيئاً، ولا يجوز أن ينكر بعضهم على بعض، فضلاً أن يعيب أو يشنع بعضهم ببعض.

توضيح ذلك: إذا اتفق المجتهدون في قواعد التكفير، ثم اختلفوا في تكفير عين، أو اتفقوا في معنى الابتداع، ثم اختلفوا في مسألة، بين بدعة أو سنة، أو في تبديع عين، فلا يجوز أن يكون هذا التمثيل محل جفاء ونزاع، فضلاً أن يكون سبب خصومة وتفرق، وقاعدة ذلك


(١) جمهور السلف على أن تارك جنس العمل كافر .. ولكنا لم نجد إجماعاً صريحاً صحيحاً، بل ثمة عبارات لشيخ الإسلام ولغيره تفيد عدم كفره. وكثير من عبارات الأئمة الذين كفروه قابلة للتأويل عند التأمل. والمسألة ليست من باب الاعتقاد، وإنما هي اختلاف في حكم عين لم يأت بعد الشهادتين بعمل ظاهر. فهي -إذن- من باب الأحكام لا من باب الاعتقاد والتوحيد، وزيادة الإيمان وما شابه ذلك. بل إن ابن تيمية رأى أن الاختلاف في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه خلاف لفظي لا حقيقي .. فكيف بهذه المسألة التي هي خلاف في حكم أناس شهدوا أن لا إله إلا الله .. ولم يأتوا بكفر صريح .. غير أنهم لم يعملوا .. ثم هي مسألة أقرب إلى الخيال منها - عند المتأمل - إلى الواقعية .. وقد صرح شيخ الإسلام بمثل هذا. فلا يجوز لأجلها تفريق الصف، وبث الشحناء، ونصب العداء .. اللهم اهدنا لأدب الخلاف

<<  <   >  >>